الحديث عن إنشاء أبراج مراقبة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ليس جديدًا، إذ سبق أن جرى تنفيذ تجربة مماثلة على الحدود اللبنانية ـ السورية. فمنذ عام 2012، ومع تصاعد الأزمة السورية وانهيار منظومة ضبط الحدود بين البلدين، قدّمت المملكة المتحدة، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، دعمًا لمشروع يُعرف باسم “الحدود المشتركة”. وقد أُعلن حينها أن الهدف هو منع تهريب السلاح والمسلّحين، وضبط تدفّق اللاجئين بشكل منظم، غير أن المشروع أثار سريعًا جدلًا سياسيًا وأمنيًا واسعًا في كل من لبنان وسوريا، ويبدو اليوم أنه ينتقل جنوبًا.
في ذلك الوقت، رأت دمشق وحلفاؤها أن تلك الأبراج تمثّل “تدخّلًا غير مباشر” في الشأن الأمني اللبناني ـ السوري، ورأوا فيها محاولة لرسم حدود أمنية وسياسية جديدة تتجاوز التنسيق التقليدي بين البلدين. وعلى الرغم من أن الحكومة اللبنانية برّرت المشروع بوصفه دعمًا دوليًا للجيش اللبناني في ظل التحديات الأمنية، إلا أن الشكوك لم تتوقف. ويبدو أننا اليوم أمام مسار مشابه في الجنوب، حيث تشير معلومات “المدن” إلى أن المشروع تجاوز مرحلة الفكرة.
من الحدود السورية إلى حدود فلسطين
خلال مرحلة ما بعد الحرب، عاد ملف أبراج المراقبة إلى الواجهة، لكن هذه المرة على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وقد برز مؤخرًا تقرير صادر عن معهد “ألما” الإسرائيلي، يشير إلى أن لندن عرضت تمويل وتزويد أبراج مراقبة مجهّزة بأنظمة رصد واتصالات متطورة، تُستخدم من قبل الجيش اللبناني ضمن إطار تنفيذ القرار 1701. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها امتداد لمشروع الأبراج السابق على الحدود مع سوريا، لكن مع فرق أساسي: هذه الأبراج ستُنشأ في منطقة تماس مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يرفع من مستوى الحساسية الأمنية.
الجانب الإسرائيلي ذهب أبعد من ذلك؛ إذ يزعم أن بعض تجهيزات المراقبة التي زُوِّد بها الجيش اللبناني في إطار مشروع الحدود الشرقية قد تسربت لاحقًا إلى حزب الله، واستخدمت في نشاطاته على الجبهة الجنوبية، بل وفي ما يسمّونه التحضيرات لعملية “غزو الجليل”، وهو ما تنفيه مصادر الجيش اللبناني، مؤكدة عبر “المدن” أن الكثير من الأقاويل تُثار في هذا الملف، كما أُطلقت سابقًا شائعات مغرضة عن انسحاب الجيش من أبراج الحدود الشرقية. أما اليوم، فهناك حملة تستهدف تشويه المشروع في الجنوب، بهدف تسويغ استمرار الاحتلال وتصويره كـ”ضرورة أمنية” لإسرائيل.
التحضيرات والتدريب في الجنوب
تشير معلومات “المدن” إلى أن التحضيرات اللوجستية للمشروع قد بدأت بالفعل، إذ جرى خلال الأسابيع الماضية تنفيذ تدريبات داخل ثكنة عسكرية للجيش اللبناني في الجنوب، بمشاركة فرق تدريب أميركية وبريطانية متخصصة في تشغيل أنظمة المراقبة الإلكترونية. وتشمل التدريبات إدارة الأبراج وتشغيل شبكة اتصالات مركزية متصلة بغرف عمليات ميدانية تتيح رصد التحركات على طول الشريط الحدودي.
ورغم أن وجود مدرّبين أميركيين وبريطانيين في الثكنة الجنوبية ليس جديدًا، إلا أن نشاطهم تعزّز مؤخرًا بوصول فرق إضافية عمدت إلى تخصيص مساحة داخل الثكنة جرى تسييجها وإغلاقها. ووفق مصادر “المدن”، فإن هذا النمط من التعاون ليس سابقة، إذ جرت تدريبات مشابهة سابقًا في ثكنات شرق البلاد، لكن الفرق الآن هو أن الأمر يتم في منطقة أكثر حساسية سياسيًا وأمنيًا، وهذا ما يطرح تساؤلات حول حجم الدور الأجنبي في إدارة الحدود الجنوبية، وما إذا كان لذلك علاقة باحتمال تغيير أو إنهاء مهام قوات اليونيفيل في الجنوب.