تشكل إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل هاجساً رئيساً لدى المستويين الرسمي والشعبي، إذ إن الجزء الأكبر من هذا الدمار يقع في الجنوب، وتحديدًا في ما يُعرف بجنوب الليطاني.
لا يختلف اثنان على أن إعادة الإعمار مرتبطة بالحلّ السياسي والمفاوضات الدائرة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، وبالشقّ المتعلق بسلاح حزب الله تحديدًا. فالأموال اللازمة لإعادة الإعمار لن تأتي من فراغ، بل من الدول الصديقة للبنان، وبوجه خاص من دول الخليج التي تشترط التوصل إلى حلّ سياسي وترسيخ التفاهمات الدولية. كما أن هناك تشديدًا واضحًا على منع إيران من المساعدة في هذا الأمر. ولا يخفى على أحد أن إعمار الجنوب لا تستطيع دولة واحدة القيام به، بل يستوجب تعاونًا وغطاءً عربيًا ودوليًا. فماذا أُنجز حتى اللحظة؟
أرقام حزب الله
في الشق المتعلق بالأرقام، هناك جهتان أساسيتان: مجلس الجنوب وحزب الله. وقد فصّلت مصادر حزب الله الرسمية لـ”المدن” ما قدّمه الحزب حتى الآن، وفي كل منطقة على حدة. فعدد الوحدات السكنية المتضررة مع أثاثها بلغ في جنوب نهر الليطاني: 153,712، وفي شمال النهر: 89,954، وفي بيروت والضاحية وجبل لبنان: 90,485، وفي البقاع: 41,693، وفي الشمال: 72، ليكون العدد الكلي: 375,916 وحدة. وبالطبع، فإن هذه الوحدات ليست مدمَّرة بشكل كامل ولا تحتاج إلى هدم، بل إلى ترميم وإصلاح واستبدال للأثاث. وقد دفع الحزب، بحسب أرقامه الرسمية التي حصلنا عليها، لـ247,000 وحدة سكنية من أصل 375,916، أي ما يعادل 65.7%.
تعويضات الإيواء
أما البيوت المدمَّرة كليًا، أي تلك التي تحتاج إلى الهدم أو تعاني أضرارًا كبيرة جدًا، فقد قام الحزب بدفع بدل إيواء وأثاث ريثما تتبلور عملية إعادة الإعمار. وقد بلغ عدد هذه الوحدات، وفق الحزب وكشفه، في منطقة جنوب النهر: 37,268، وفي شمال النهر: 5,465، وفي الضاحية وبيروت ومناطق جبل لبنان: 12,353، وفي البقاع: 3,893، وفي الشمال: 14، ليصبح العدد الكلي: 58,993. والمدفوع لهم بدل إيواء وأثاث يبلغ عددهم 49,274، أي ما يعادل 83.5%. وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب الله يقدم هذا الدعم لمن دُمّر بيته الأساسي، وليس الثانوي. أي إن كانت عائلة تسكن في بيروت ودُمّر بيتها في الجنوب، فإن الحزب لا يقدم بدل إيواء.
الأقسام المشتركة
ولا تتوقف مصادر الحزب الرسمية عند هذا الحد، بل تشير إلى أنها عاينت أيضًا الأقسام المشتركة في المباني، كالمصاعد والدرج وغيرها. وقد بلغ عدد المباني المتضررة: 910 في جنوبي الليطاني، و229 شمال الليطاني، و3,410 في الضاحية. أما لناحية الترميم الإنشائي، أي تضرر أو احتراق جزء من المبنى، فإن ما أحصاه حزب الله هو: 7,870 وحدة سكنية في جنوب النهر، و709 في شماله، و1,979 في بيروت والضاحية، و565 في البقاع، و1 في الشمال. والعدد الكلي: 11,124 وحدة.
مشكلة في السيولة
هذه الأرقام الرسمية سُجلت من قبل المعنيين في حزب الله، الذين أشاروا في حديثهم إلى “المدن” إلى أنهم أنهوا المسح الميداني في كل لبنان، لكن صرف الأموال متوقف منذ نيسان الماضي بسبب مشاكل في السيولة، ويُعمل على حلها بسرعة. ويتضح من الأرقام أنه لم يُعوَّض على جميع المتضررين، بل على جزء منهم فقط، وذلك نتيجة العبء الكبير والحاجة إلى أموال طائلة، في الوقت الذي يعاني فيه حزب الله من صعوبات في الحصول على المال وسط حملة تضييق تطال نقل الأموال من إيران -مصدر تمويل الحزب- إلى لبنان.
تجديد الإيواء
وردًا على سؤال “المدن” حول قرب انتهاء مدة الإيواء التي دُفعت، أجابت مصادر حزب الله: “سيتم التجديد”، لكن الأمر الآن مرهون بتأمين السيولة، والعمل جارٍ لإيجاد الحلول المناسبة. فهل سينجح الحزب في الدفع مجددًا للعائلات التي تحتاج إلى إيواء عند انتهاء مدة العام، أي في آخر العام الحالي؟
تضيف مصادر الحزب أن جميع ما ذُكر أعلاه منفصل عن ملف إعادة إعمار المباني المهدمة كليًا، وبوجه خاص في الجنوب، وتعلّق بالقول: “هذا أمر كبير جدًا”، وهو خاضع أيضًا للحل السياسي والتزام الحكومة به، كما أعلنت فور تشكيلها. وفي هذا الإطار، تقول المصادر إن الحكومة حتى الآن لم تقم سوى برفع الركام، من دون أي تعويض أو خطوة جدية في إطار عملية الإعمار وإصلاح ما تهدم.
دور الحكومة
مصادر سياسية في حزب الله تقول لـ”المدن” إن الحزب يقوم بما عليه في هذا الملف ويتحمّل مسؤولية كبرى، بالرغم من أن دولًا تعجز أمام ما يتحمله. لكنها تحمّل الحكومة المسؤولية أيضًا، وتدعوها للوقوف إلى جانب أبناء الجنوب والبقاع والضاحية، كما تعهدت، من دون إخضاع هذا الملف للبازار السياسي وربطه بالمفاوضات والسلاح، لأن هذا الأمر مرفوض رفضاً قاطعاً من قبل حزب الله.
إحصاءات مجلس الجنوب
مجلس الجنوب، بدوره، أكد عبر المسؤولين عن ملف الإعمار لـ”المدن” أن فرقه قامت بمعاينة الأضرار وسجلت الإحصاءات التالية: 42,110 مبانٍ مهدمة كليًا، و181,128 مبنى يحتاج إلى ترميم، ليصبح عدد الوحدات: 223,238. مع الإشارة إلى أنه لم يُدفع أي مبلغ حتى الآن، لأن الدولة لم ترصد أي أموال لهذا الملف، والموضوع بانتظار الحل السياسي لتأمين التمويل. وعندها، سيكون المجلس في المقدمة لإصلاح ما دمرته إسرائيل، لكن الأمر متوقف -وبشكل كبير- على “تأمين المال”. وردًا على سؤال حول التنسيق مع حزب الله في هذا الشأن، أجاب المسؤولون بأن كل طرف يقوم بدوره، ولا علاقة لمجلس الجنوب بما دفعه حزب الله للمتضررين.
رؤية حكومية
وفي إطار متابعة الملف بشكل دقيق، والوقوف على حيثياته كافة، سألت “المدن” مصادر مقربة من الحكومة عن موضوع “إعادة الإعمار”، وما تعهد به رئيس الحكومة نواف سلام فور تشكيل حكومته من قصر بعبدا، بأن الإعمار التزام حكومي. فكان الجواب أن الأمر مرتبط بالحل الذي سيصل إليه لبنان مع المبعوث الأميركي، إذ لا قدرة للدولة اللبنانية على تحمّل هذه الأعباء، ولا مال لديها، وهي بحاجة إلى دعم أشقائها العرب، الذين ينتظرون حلاً شاملاً للأزمة، ولا سيما بشأن سلاح حزب الله، الذي لا يمكن إبعاده عن المعادلة. وتؤكد المصادر أن الحكومة، وجميع من فيها، تدرك أن الشعبوية لن تؤثر، وأن الحل السياسي هو المدماك الأساسي. كما أن إلزام إسرائيل بالانسحاب ووقف خروقاتها، والوصول إلى تسوية مع حزب الله بشأن السلاح، وإعادة ثقة المجتمع الدولي والدول الخليجية بلبنان، هي عوامل مساعدة ورئيسة في إعادة الإعمار. فالكلفة تصل إلى 12 مليار دولار، إذا ما أُضيفت الخسائر الاقتصادية، وهو رقم يحتاج إلى تضافر جهود الدول الصديقة ودعمها للبنان. وهذا لن يحصل قبل الوصول إلى نهاية موضوعية للأزمة.
في ظل كل هذه الأوضاع، تراقب إسرائيل المجريات في جنوب لبنان، وتقوم بقصف البيوت الجاهزة وتعطيل عملية الإعمار في المنطقة الحدودية، بمبادرات فردية، لتُظهر أن الإعمار ممنوع قبل تسليم السلاح الثقيل المتبقي مع حزب الله، وأن هذه المنطقة ستبقى منطقة عازلة بانتظار إزالة أي تهديد مستقبلي من قبل الحزب. فكيف ستتمكن الدولة اللبنانية من التوفيق بين مطالب حزب الله ومطالب المجتمع الدولي، للوصول إلى صيغة تضمن عبرها إعادة الإعمار؟ لأن صبر الجنوبيين قد لا يطول.