ما لم يقُله لاريجاني: سلاح “الحزب” جزءٌ من أمننا القوميّ

يُفترض أن تكون انتهت في ساعاتها الأولى زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت ما إن غادر قصر بعبدا. على الأقلّ استنفد لبنان مفاعيلها على النحو الذي تحضّر له حيالها، وعلى نقيض ما رامت الزيارة أن تحمله إليه. ربّما المتنفّس الوحيد الذي عثر عليه الزائر الإيراني كان في عين التينة، كي يستفيض في الردّ على ما كان سمعه في قصر بعبدا، مستبقاً ما توقّع أن يتلقّفه لاحقاً في السراي، ولم يكن أقلّ إحراجاً له.

للمرّة الأولى يسمع مسؤول إيراني رفيع، وجهاً لوجه بلا إيحاءات أو تسريبات، ما لم تجرؤ عليه الدولة اللبنانية والعهود المتعاقبة، في ظلّ وجود سوريا في لبنان ثمّ من بعده وخصوصاً بعد عام 2005 عندما خلفها “الحزب” في مهمّتها. على الرغم من عبارات اللياقة التي أضفاها رئيس الجمهورية جوزف عون على ما قاله أمام الزائر الإيراني، الواضح أنّه كان يتحدّث عن دولة غير ودّية في علاقتها بلبنان، وتكاد تتصرّف، وهي كذلك، كما لو أنّها خلفت الدور السوري في لبنان، بفارق جوهري هو ذاك الذي يميّز القوّة الفجّة عن تلك الناعمة.
للمرّة الأولى يسمع مسؤول إيراني رفيع، وجهاً لوجه بلا إيحاءات أو تسريبات، ما لم تجرؤ عليه الدولة اللبنانية والعهود المتعاقبة، في ظلّ وجود سوريا في لبنان ثمّ من بعده وخصوصاً بعد عام 2005

نقطة اللاعودة بين “الحزب” والرّئيس

لم يحمل توقيت الزيارة، في ذروة الخلاف المتصاعد بين الحكومة اللبنانية و”الحزب” على حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، أيّ وهم بأنّ لاريجاني يأتي وفي جعبته مشروع صفقة تفاهم ومصالحة بين الطرفين، فيما هو منحاز في الأصل إلى أحدهما. ولأنّ الزائر ليس وزير الخارجية، ليس المقصود بحضوره مناقشة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أو تعاونهما الثنائي. وظيفته ذات الطابع الأمنيّ كأحد القريبين من المرشد ومن المسؤولين الإيرانيين المخضرمين في الإلمام بالواقع اللبناني، إضافة إلى علاقة قديمة تجمعه برئيس البرلمان نبيه برّي، كفيلة بتحميل مهمّته الجديدة البُعد المنطوية عليه وظيفته الرئيسية: سلاح “الحزب” المفترض أنّه لمقاومة إسرائيل لا يزال جزءاً لا يتجزّأ من الأمن القومي الإيراني، وإحدى معادلات دور الجمهورية الإسلامية في المنطقة.

قبل أن يصل لاريجاني إلى بيروت كي يدلي بما أدلى به، ويصرّ أمام المسؤولين اللبنانيين كما أمام “الحزب” نفسه مداورة ومباشرة على إبقاء السلاح في يد “الحزب”، معطيان اثنان مهمّان كانا ينتظرانه:

1 ـ يكاد يصل الخلاف بين “الحزب” ورئيس الجمهورية جوزف عون، وليس بينه وبين رئيس الحكومة نوّاف سلام فحسب، إلى نقطة اللاعودة. أخفق معظم الوسطاء الدائرين في فلكَيْ طرفَيْ النزاع في إيجاد أرضيّة حوار على الأقلّ بين موقفين، بات يصعب تقاطعهما في أيّ مكان: بينما يصرّ مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية على حصر السلاح في يد الدولة على أنّه الخيار الوحيد المتاح الآن، غير المقترن بأيّ مفاضلة أخرى أو مَلاحِق، يتصرّف “الحزب” بأنّه غير معنيّ به كما لو أنّ القرار حبر على ورق. كلاهما لم يعودا قادرين على التراجع، وإن خطوة إلى الوراء.

2 ـ يقيم القلق الإيراني في المرحلة التالية لإنجاز الجيش خطّته لحصر السلاح في يد الدولة كي تكون على طاولة مجلس الوزراء في 31 من الشهر الحالي. مؤدّى مناقشتها إصدار الأمر إلى القيادة العسكرية بمباشرة التنفيذ على نحو مطابق لصدور قرار حصر السلاح في مجلس الوزراء، من دون توافق سياسيّ مسبق. وهو ما يضع الجيش في اختبار صعب. فيما يتردّد في أوساط “الحزب”، كما لو أنّه على أهبة مواجهة ميدانية لإجراءات محتملة يُقدم عليها الجيش لمصادرة مخازن ومستودعات أسلحته، أنّه قد ينيط بأطفال ونساء حراستها تفادياً لاصطدام مباشر.
يكاد يصل الخلاف بين “الحزب” ورئيس الجمهورية جوزف عون، وليس بينه وبين رئيس الحكومة نوّاف سلام فحسب، إلى نقطة اللاعودة

استقرار واضطراب

على أنّ المغزى الظاهر لزيارة المسؤول الإيراني الرفيع حمل ثلاث رسائل في آن:

أولاها إلى الدولة اللبنانية تنصح بعدم التصعيد ضدّ “الحزب” بمقدار نصحها “الحزب” نفسه بعدم التصعيد ضدّ الدولة اللبنانية. بيد أنّ الجانب المهمّ في زيارة لاريجاني أيضاً، وهو يعبّر عن النيّات الإيجابية لدولته حيال لبنان ودعمه واستعدادها للمشاركة في الإعمار، تجنُّب التخاطب الدبلوماسي الحادّ الجاري بين البلدين. مع أنّ ما قاله في مقرّ عين التينة لا يختلف عمّا استبق زيارته من تصريحات مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى بتأكيد التمسّك بسلاح “الحزب”، ولا قلّل منها، إلّا أنّ ما لا تريده إيران بلوغ المخاطبة الدبلوماسية اللبنانية الرسمية ما كانت تسمعه من وزارة الخارجية. إذا كان مفهوماً توسّل وزير الخارجية عبارات حادّة في الردّ على المواقف الإيرانية الأخيرة كما التي سبقتها، فما ترومه إيران أن لا تمسي هذه السياسة الرسمية اللبنانية حيالها. الواقع أنّ ما قاله رئيس الجمهورية أمام زائره وكذلك رئيس الحكومة، وإن من موقعهما، لا يختلف عمّا أطلقته الخارجية اللبنانية ووزيرها.
ثانيتها إلى “الحزب” تطمئنه إلى أنّه ليس وحيداً ويسعه باستمرار الاعتماد على الجمهورية الإسلامية، فهي إلى جانبه ولمّا تزل ظهيراً له في دفاعه عن تمسّكه بسلاحه وذرائعه بأنّ حربه مع إسرائيل لم تتوقّف تماماً، ولا دوره انتهى في خضمّ هذه المواجهة، ولا فقد نفوذه في الداخل اللبناني كرأس حربة. في ذلك حضّه “الحزب” على الإصرار على الاحتفاظ بسلاحه كورقة لا تزال صالحة للتفاوض المحلّي والإقليمي، ولم تفقد مفاعيلها على الرغم من الخسارة الجسيمة في الحرب الأخيرة مع إسرائيل.

اترك تعليق