3 سيناريوهات قاتمة تحوم فوق لبنان

دَخَلَ لبنان ما يشبه «حال الطوارئ» السياسية في ضوء «الحمولة شديدة التفجير» في المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم وكرّستْ الخشيةَ من أن «بلاد الأرز» تتّجه إلى مرحلة «الارتطام الكبير» في ضوء «الصدمات المتوالية» والمتعددة البُعد التي بات يُحْدِثُها ملف سحْب السلاح، وتشي بأن الوطن الصغير يُقتاد مجدداً إلى وضعية الوقوع بين ناريْن: تهديد إسرائيلي دائم باستنئاف الحرب الموسّعة، وتهديدٍ داهِم من الحزب بـ«معركة كربلائية» في الداخل حمايةً لترسانته العسكرية.

وغداة الزيارة الصاخبة لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت وما تخلّلها من مواقف بدت أقرب إلى «أمر عملياتٍ» بـ «الارتقاء» في مواجهةِ مقترح الموفد الأميركي توماس براك، لم يكن عادياً أن يطلّ قاسم بخطابٍ تحدّى فيه «بالفم الملآن» حكومة الرئيس نواف سلام وقرارها بسحْب سلاح «حزب الله» بحلول نهاية السنة وتكليفها الجيش اللبناني وضع خطةٍ تطبيقية قبل نهاية أغسطس الجاري، وأوحى معه الحزبُ بأنه انتقل من إسنادِ غزة بعد «طوفان الأقصى» إلى التلويح بحرب ضدّ الداخل لإسنادِ السلاح على قاعدة «وبعدي الطوفان».

واعتُبرت إطلالةُ قاسم التي هاجم فيها «الحكومة التي تنفّذ الأمر الأميركي الإسرائيلي بإنهاء المقاومة، ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية وفتنة داخلية، وتقوم بخدمة المشروع الإسرائيلي»، بمثابة محوٍ لأيّ «هامش مناورةٍ» يمكن للبنان الرسمي «النفاذ» منه لتجنيبِ البلاد ارتداداتِ ما تم التعاطي معه على أنه «عصيان متدرج» لقرارات الحكومة وذلك بمعزل عن «مسرحِ العمليات» الأوسع الذي جَعَلَ ملف السلاح يتحوّل «صاعقاً تفجيرياً» والذي يرتبط بانقضاء «فترة السماح» الدولية التي مُنحت لبيروت لإنجاز «الهيكل التنفيذي» لتفكيك ترسانة الحزب وبدء التطبيق، كما بمقتضياتِ محاولة إيران «إدارة» أذرعها الإقليمية بما يقوّي موقعها في الطريق لاستئناف مفاوضات النووي.

ومن هنا تقاطعتْ المؤشراتُ في الداخل والخارج عند أن لبنان دخل واقعياً مرحلةً هي الأخطر في ضوء الإشارات الآتية التي توقف عندها أوساط مطلعة:

– أن «حزب الله» قام بـ «حرق الجسور» مع الداخل اللبناني، المناهض في غالبيته الكبرى لسلاحه، رغم محاولات قريبين من الثنائي الشيعي التخفيف من وطأة تهديدات قاسم وأنه لم يقفل الباب نهائياً أمام حصرية السلاح. علماً أن الحزب يصرّ على ربْط نقاشها بإطار ناظِم «بات من الماضي» عملياً (حوار حول إستراتيجية أمن وطني أو إستراتيجية دفاعية) في ضوء استعجال الخارج بت قضية السلاح وفق مندرجات اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) والقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان واتفاق الطائف والبيان الوزاري للحكومة وخطاب القسَم للرئيس جوزاف عون، في موازاة سعي لبنان الرسمي لضمان شمول المرحلة التنفيذية لتفكيك الترسانة العسكرية في جنوب الليطاني وشماله انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وإطلاق الأسرى ووقف الاعتداءات.

ولعل أكثر ما استوقف هذه الأوساط كان إبداء «حزب الله» الاستعداد لـ «انتحار جَماعي» وعلى قاعدة «ننتحر معاً» أو «ننتحر بكم» في حال مضت الحكومة بتنفيذ قرارها، إذ بَلْوَر قاسم شعار «الموت ولا تسليم السلاح» بإعلانه «لا حياة للبنان إذا كنتم ستقفون في المقلب الآخَر، وتحاولون مواجهتنا والقضاء علينا، لا يمكن أن يُبنى لبنان إلا بكل مقوماته. إما أن يبقى ونبقى معاً، وإما على الدنيا السلام. وأنتم تتحملون المسؤولية».

– أن إيران التي يعتقد البعض أنها تخوض «معركة بقاء» بعد حرب الـ 12 يوماً الإسرائيلية – الأميركية عليها والتي هزّت الأرض تحت أقدام نظامها، تدير المرحلة الراهنة خصوصاً ملف النووي بما يراعي مقتضى استيعاب الضغوط وتخفيفها و«الأخذ والعطاء» مع الأوروبيين ومن خَلْفهم الأميركيين، ولكنها في المقابل تعتمد أعلى درجات التشدد عبر حلفائها، من الحشد الشعبي في العراق إلى «حزب الله» في لبنان الذي لم يتأخر في «تأكيد المؤكد» لجهة الطابع «الوجودي» لسلاحه.

ولم يتوانَ خصوم لـ «حزب الله» في هذا السياق، عن استحضار أن سلاح الحزب باتت وظيفته «حماية السلاح»، في ضوء مواقف قاسم التي خلت من التهديدات لإسرائيل لتصبّ عوضاً عنها على الحكومة، وأن «طهران التي تستطلع احتمالات استئناف مفاوضات النووي تبيح لنفسها ما تعيبه على غيرها، هي التي كانت تتلقى مقترح ستيف ويتكوف وأوراقه في ما خص«النووي»في فترة ما قبل حرب يونيو، وتنتظرها حالياً ليُبنى على الشيء».

وتوقف هؤلاء أيضاً عند إكمال السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني ما بدأه مسؤولون إيرانيون وتوّجه لاريجاني، من سقفٍ«بلا حدود»لِما اعتبره لبنان الرسمي تدخلاً في الشأن الداخلي، حيث أعلن أمس أنّ«الضغط الأميركي لن يكسر لبنان ومقاومته، وإيران صامدة بحكومتها وشعبها وتريد الأمر نفسه للبنان». وقال:«إيران تدعم اللبنانيين بكل طوائفهم ولا تفرق بينهم ودعمها ملموس وليس شعاراً».

– أن لبنان بات في ضوء هذه التعقيدات، وعشية عودة براك والموفدة السابقة مورغان أورتاغوس إلى بيروت، أمام 3 سيناريوهات قاتمة: إما الصِدام الداخلي الذي أعلن حزب الله ضمناً«نحن له»، وإما الانهيار والعزلة في حال فرْمل مسار سحب السلاح لأن الخارج سيَترك«بلاد الأرز»لمصيرها الذي«اختارته بيدها»عبر التراجع عن استعادة مقوّمات الدولة الطبيعية التي لا مساعدات ولا دعماً قبل قيامها، وإما حرب إسرائيلية جديدة.

وبرز في الساعات الماضية موقف لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أعلن فيه أن الجيش الإسرائيلي شنّ أخيراً هجمات في جنوب لبنان ضد بنية تحتية تابعة لـ«حزب الله»، وقال: «لن نسمح بظهور تهديدات ضدّ سكان الشمال وجميع مواطنينا»، وأضاف: «أوجه رسالة مباشرة إلى الرئيس اللبناني جوزاف عون… إنكم والحكومة اللبنانية مسؤولون مسؤولية مباشرة عن فرض سيادة لبنان والحفاظ على اتفاق وقف النار. لن نعود إلى واقع 7 أكتوبر 2023، وسنواصل العمل بحزم ضد أي انتهاك».

وفي حين يسود ترقُّب لِما سيكون عليه الموقف الرسمي اللبناني، وهل سيمضي وفق مندرجات الخطوات الجريئة التي قام به في ملف السلاح، أم ينتقل الى وضعية «الدفاع عن النفس» والتبرير، أو يتراجع خطوة، فإن المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة أعطت إشاراتٍ إلى ثبات على المسار، وسط انتظار لِما سيعلنه الرئيس عون في إطلالته على «العربية» التي تُبث مساء اليوم، علماً أنه تفقّد أمس سرية حرس رئاسة الجمهورية التابعة لقوى الأمن الداخلي مؤكداً دعمه الكامل للمؤسّسة الأمنية، ومشدّداً على «أهمّية الجهوزية الدائمة في ظلّ الظروف التي تمرّ بها البلاد».

اترك تعليق