“الألغام” في ورقة توم بارّاك

ما هو المطلوب كي تجد ورقة توم بارّاك، المعدّلة بملاحظات لبنانية، طريقها إلى التنفيذ، وإن في ظلّ فيتو حديديّ من “الحزب” عليها؟ الجواب في الورقة الأميركية نفسها، أي الجواب على الورق، لكن ضمن الإطار التنفيذيّ والعملانيّ قد ترتفع السواتر عالياً بوجه الورقة في لبنان ودمشق وتل أبيب في آن معاً.

بعد زيارتهما المشتركة لبيروت، ليوم واحد، تفرّق الزميلان توم بارّاك ومورغان أورتاغوس. الأوّل توجّه إلى باريس، والثانية حطّت في تل أبيب، ضمن سياق استكمال تنفيذ الورقة الأميركية التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية.

على المستوى الإسرائيلي، ليس في واشنطن أو بيروت أو باريس من يضمن التزام إسرائيل بنود الورقة، لا سيّما أنّ تراتبيّة بنودها تُلزِم تل أبيب بعد مصادقة مجلس الوزراء اللبناني على أهداف المذكّرة الأميركية “وقف العمليّات العسكرية الإسرائيلية البرّيّة والجوّيّة والبحريّة”.

يلي ذلك “وقف تحرّكات “الحزب” المتعلّقة بنقل الأسلحة، ووصوله إلى البنى التحتيّة العسكرية، والمعدّات العسكرية… في جميع أنحاء البلاد (مع التركيز على التنفيذ الفوريّ لتسليم الأسلحة الثقيلة)، ثمّ إصدار إعلان عامّ من جميع الأطراف يُجدّد التزام وقف الأعمال العدائية والتقيّد به”. وهذا هو المطلوب راهناً من إسرائيل، وفق التصوّر اللبناني.

لغمان

تقول مصادر مطّلعة لـ”أساس”: هناك لغمان أساسيّان قد يتعذّر على المفاوض الأميركي، من خلال ضغطه على إسرائيل، وعلى الرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام، من خلال ضغطهما على “الحزب”، تفكيكهما في المدى المنظور:
تقول أوساط سياسية إنّ “الجانب اللبناني يتوقّع أن يحمل بارّاك في زيارته المرتقبة موافقة سورية على الورقة الأميركية

– لن تكون إسرائيل بوارد وقف أعمالها العدائية ضدّ لبنان عبر الاغتيالات، واستهداف ما تقول إنّها مواقع عسكرية تابعة لـ”الحزب”، أو وقف حركة مسيّراتها وطائراتها الحربيّة في الأجواء اللبنانية، والانسحاب من “الشريط” الحدودي المحتلّ، بسبب موافقة لبنان على المذكّرة الأميركية وحسب. هذا مع العلم أنّه وفق بنود ورقة بارّاك، تبدأ إسرائيل بالانسحاب بعد بدء تنفيذ خطّة انتشار الجيش، ونزع سلاح “الحزب”، وتفكيك بنيته العسكرية، وتسليم الأسلحة الثقيلة للجيش… يلي ذلك “إطلاق سراح جميع السجناء اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل”.

بارّاك

على ما يبدو، وفق المعلومات، تسعى واشنطن إلى دفع تل أبيب لتقديم شيء ما في مقابل الخطوة اللبنانية، على أن يُترجم ذلك بإطلاق سراح عدد من الأسرى اللبنانيين (بينهم من ليس ضمن صفوف “الحزب”)، لتكون الدفعة الثانية بعد عمليّة تسليم الأسرى الأولى التي تمّت في 11 آذار الماضي، حين كانت أورتاغوس تتولّى مهامّ التفاوض.

أكثر من ذلك، لا ترى المصادر أنّ “هناك نوايا إسرائيلية تبشّر بتقديم خطوة عسكرية في المقابل، كوقف اعتداءاتها، أو البدء بالانسحاب، وهذا ما قد يُعطّل استكمال تنفيذ الورقة الأميركية من الجانب اللبناني، علاوة على أنّ تشعّب الورقة وتداخل توقيت تنفيذها بين ثلاثة أطراف يجعلان من مشروع فرملتها أمراً سهلاً”.

– على مستوى لبنان يوجد توجّهان لم يلتقيا حتّى الساعة: إصرار رئاسي وحكومي على التزام الورقة، شرط إقدام إسرائيل على خطوة مقابلة، وفيتو حديديّ من جانب “الحزب” على بنود الورقة واستنكار لموافقة الحكومة عليها.

ترفض قيادة “الحزب” حتّى الآن الإفصاح عن الخطوات المرتقبة من جانبها، إن لجهة المشاركة في جلسة مجلس الوزراء التي ستقرّ خطّة الجيش، أو ما بعد إقرار الخطّة (بحضور أو بمقاطعة وزراء الثنائي الشيعي)، أو لجهة مباشرة الجيش تنفيذ الخطّة عملانيّاً شمال الليطاني وبقاعاً وفي الضاحية.
أكّدت المعلومات أنّ الجانب السوري يعتزم تشكيل لجنة موسّعة، يتمّ تفريع عملها إلى عدّة ملفّات أمنيّة وسياسية وقضائية لحلّ المسائل العالقة مع لبنان

تفيد المعلومات أنّه بالتزامن مع زيارة بارّاك لبيروت ارتفعت وتيرة التشاور، خصوصاً بين بعبدا وعين التينة، وعبّر رئيس المجلس نبيه برّي عن ارتياحه لتمسّك الرئيس جوزف عون بضرورة التزام طرفَي الورقة لبنان وإسرائيل، وحتميّة قيام إسرائيل بالخطوة الثانية. وبرأي برّي، يجب أن لا يقلّ هذا الالتزام عن الانسحاب الإسرائيلي الفوريّ ووقف الاعتداءات، وليس فقط تسليم الأسرى.

يُذكر أنّ الورقة الأميركية ذَكَرت رئيسَي الجمهورية ومجلس النوّاب بالاسم (البند الأخير من المرحلة الأولى للتنفيذ التي تمتدّ لأسبوعين) حين أشارت إلى “ضرورة ضمان التزام لبناني رسميّ وقدرة على التنفيذ: ينبغي أن ينخرط الرئيس جوزف عون ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مع مختلف القوى السياسية اللبنانية، بما في ذلك قيادة “الحزب”، لضمان قدرة الدولة اللبنانية على التزام أهداف هذه المذكّرة، ووضع خطّة وجدول زمنيّ لنزع السلاح، مع التركيز على التنفيذ الفوريّ لتسليم الأسلحة الثقيلة (مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة) إلى الجيش اللبناني، تدريجيّاً، من مناطق جنوب نهر الليطاني وشماله.

سوريا

على الجانب السوري، ليست التعقيدات والإشكالات أقلّ وطأة، ويمكن الحديث عن لغم ثالث. توقّعت مصادر سياسية أن يكون الملفّ اللبناني قد أخذ حيّزاً من الاجتماع الإسرائيلي-السوري الثاني الذي استضافته باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد شيباني ووفد إسرائيلي، بحضور توم بارّاك. هذا مع العلم أنّ وكالة “سانا” السورية ذكرت أنّ الاجتماع تركّز على “خفض التصعيد وعدم التدخّل بالشأن السوريّ الداخلي، والتوصّل لتفاهمات تدعم الاستقرار في المنطقة، ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء”.
تفيد المعلومات أنّه بالتزامن مع زيارة بارّاك لبيروت ارتفعت وتيرة التشاور، خصوصاً بين بعبدا وعين التينة

تقول أوساط سياسية إنّ “الجانب اللبناني يتوقّع أن يحمل بارّاك في زيارته المرتقبة موافقة سورية على الورقة الأميركية في الوقت الذي لا يزال فيه الموقف السوري غامضاً من مسألة مزارع شبعا، وترسيم الحدود، وعودة النازحين، وإدارة دمشق للحدود الشرقية. كما أنّ الورقة لم تشر الورقة إلى ملفّ النازحين إلّا من ضمن سياق “توصيات” لا التزامات”.

في هذا السياق، كان وفد المفتين، برئاسة المفتي عبداللطيف دريان، خلال لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق تمّوز الماضي، نقل عنه قوله في شأن مزارع شبعا: “في الوقت الحالي لا نستطيع أن نقول إنّ المزارع لبنانيّة أو سوريّة، وبعد تحريرها من إسرائيل نناقش الأمر”.

ترابط بين موجبات إسرائيل وسوريا

أكّدت المعلومات أنّ الجانب السوري يعتزم تشكيل لجنة موسّعة، يتمّ تفريع عملها إلى عدّة ملفّات أمنيّة وسياسية وقضائية لحلّ المسائل العالقة مع لبنان، ويتولّى جانب منها وزراء أساسيّون في الحكومة السورية، بحسب الاختصاص. أمّا الإشكالات والحوادث على الحدود الشرقية فتتمّ معالجتها راهناً على المستوى الأمنيّ بين الطرفين.

تتحدّث الورقة الأميركية في “الفصل الثاني” منها عن “مبادرة لترسيم وتحديد الحدود البرّيّة والبحرية بين سوريا ولبنان والمناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين”، وفي الفصل الثالث “تحرّك مشترك لمكافحة الاتّجار بالمخدّرات”.

نصّت الورقة أيضاً بالتفصيل على “المحاور الحيويّة” التي يطالها ترسيم الحدود، وهي:

– محور الهرمل – القصير.

– حدود عرسال – القلمون.

– قطاع وادي خالد.

– سلسلة جبال لبنان الشرقية.

اترك تعليق