“الحزب” لعون وهيكل: بالسّلاح “شراكة” مع الدولة؟

اختفت فجأة درّاجات “الحزب” من الشوارع بعد بضعة أيّام من استعراضاتها في الضاحية الجنوبية وخارجها. فُهِمَ سبب تفلّتها، وهو قرار حكومة الرئيس نوّاف سلام تكليف الجيش وضع خطّة لحصر السلاح في يد الدولة. لم يُفهم بعد دافع توقّفها دون أن تتراجع الحكومة عن قرارها، ولا تخلّي رئيسها كما رئيس الجمهورية عن إصرارهما على ذاك القرار. الأسبوع الفائت تبلّغ الرئيس جوزف عون والعماد رودولف هيكل وقف دوران الدراجات نهائيّاً. عُزِي ما كان حصل إلى تحرّكات “شعبية” لا قرار حزبيّاً بها عبّرت عن غضب بيئة “الحزب” من قرار حكومة سلام. لكنّ قرار “الحزب”، للمفارقة، أعاد ركنها في مرائبها.

دارت الأسبوع الفائت اتّصالات مباشرة بين “الحزب” وقيادة الجيش وغير مباشرة بينه وبين رئاسة الجمهورية، مُرّرت في خلالها بضع رسائل محدّثة تؤكّد المؤكّد، تعمّد “الحزب” إيصالها إلى الرئيس جوزف عون والعماد رودولف هيكل بالذات. كلاهما المعنيّان الرئيسيّان بقرار مجلس الوزراء حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. استثناء رئيس الحكومة نوّاف سلام ليس سوى جزء من فقدان الودّ معه وانعدام الثقة واستحالة الاتّفاق.

فحوى رسائل “الحزب” في معرض تمسّكه بلزوم ما لا يلزم الآتي:

1 ـ مع الموافقة المبدئية على قرار حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، بيد أنّه يرفض رفضاً قاطعاً إقرانه بروزنامة تنفيذية تنتهي في 31 كانون الأوّل المقبل. بوضوح يميّز “الحزب” بين الأمرين: لا تعدو الموافقة الشفويّة سوى الدعم المعنويّ للعهد الحاليّ وتمكينه من التفاوض من موقع قوّة، فيما مباشرة التنفيذ تعني ما لا يريده، وهو إخراجه نهائيّاً من معادلة الصراع الإقليمي، على الأقلّ ما بقي من دور له فيه، وإفقاد إيران ورقته الثمينة.

2 ـ بلغة لا تخلو من التلويح الضمنيّ بتهديد، ليس في وارد الموافقة على تسليم سلاحه أيّاً تكن تداعيات ما يُراد أو يمكن أن يحصل “وليذهب البلد إلى حيث يذهب”. العبارة المُدلى بها الموثّقة لـ”الحزب” أنّه “سيستخدم سلاحه للدفاع عن سلاحه”.
اختفت فجأة درّاجات “الحزب” من الشوارع بعد بضعة أيّام من استعراضاتها في الضاحية الجنوبية وخارجها

ماذا عن سلاح المخيّمات؟

3 ـ إذا كان في تصوّر رئيس الجمهورية وحكومة سلام أن لا سلاح في يد “الحزب” بعد 31 كانون الأوّل، فهل يعدّان السلاح الإسرائيلي في الجنوب وسلاح المخيّمات الفلسطينية، وخصوصاً مخيّم عين الحلوة، مشمولَيْن بالقرار، وتالياً هما سلاح غير شرعيّ يقتضي التخلّص منه أم لا يسري عليهما؟ يدلّ بذلك على تيْنك الأولويّتين اللتين يسبق تنفيذُهما التفكيرَ في مصير سلاح “الحزب”.

الحزب

4 ـ يصرّ على وجهة نظره المعلنة منذ ما قبل قرار مجلس الوزراء، وهي أن يصير إلى انسحاب إسرائيل أوّلاً من التلال الخمس إلى ما وراء الخطّ الأزرق وإعادة الأسرى، ثمّ يصبح “الحزب” جاهزاً للجلوس إلى طاولة حوار مع السلطات الرسمية للخوض في سياسة أمن وطني، من ضمنها استراتيجية دفاعيّة. مغزى هذا الشرط ليس تخلّي “الحزب” عن سلاحه، بل درس سبل إدارته وإمرته واستخدامه وتخزينه بالتفاهم مع الجيش كي يكونا معنيَّين به معاً، وهو ما يناقض قرار مجلس الوزراء حصر السلاح في يد الدولة. إنّها الإشكاليّة المستعصي حلّها نظريّاً على الأقلّ بين نقيضين يصعب أن يتقاطعا: إمّا ذاك أو تلك. ما يقوله “الحزب” أنّه ليس في وارد التخلّي عنه في أيّ وقت.
لا تسليم للسلاح و”ليذهب البلد إلى حيث يذهب”

5 ـ بينما يدرك أنّ قرار مجلس الوزراء نزع نهائيّاً الصفة القانونية عن سلاحه المضفاة عليه في العقود المنصرمة في البيانات الوزارية المتوالية، يتصرّف “الحزب” بلامبالاة حياله. إذ يعتقد أنّه لا يزال يحتفظ بشرعيّة تسلّحه والاحتفاظ بسلاحه مستمدّاً إيّاها من قواعد عقائدية ودينية تتجاوز قرارات السلطات الرسمية ولا تأبه بها. ذاك ما حمل “الحزب” على إبلاغ رئيس الجمهورية أنّ علاقته بسلاحه مرتبطة بتاريخه الديني، وقد كبّده الكثير تخلّيه عنه على مرّ عصور محن الطائفة، فيما أجاب الرئيس في اختصار، مبسّطاً وجهة النظر تلك، أنّ تاريخ سلاح “الحزب” في لبنان مؤقت، وهو الآن في طور تقنيّ، في إشارة صريحة إلى انتهاء مفاعيله في ظلّ الدولة اللبنانية وتراجعه عن خطوط المواجهة مع إسرائيل، وتسليمه أخيراً بوقف النار وامتناعه عن الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية.

المهلة غير كافية

6 ـ إذا قرّر “الحزب”، وهو ما لن يقدم عليه، القبول بتسليم السلاح طوعاً، فهو يحتاج بحسب الذريعة إلى مدّة تتجاوز بكثير الأربعة أشهر الباقية والمحدّدة لإتمام تنفيذ القرار نهاية السنة. مخازنه ومستودعاته وفيرة تحتاج إلى وقت لتفريغها، وأعداد منها مفخّخة.
بينما قال “الحزب” إنّ سلاحه دينيّ، ردّ الرئيس بأنّه سلاح تقنيّ

7 ـ يحرص “الحزب” على التواصل مع الجيش، المكلّف وضع خطّة حصر السلاح والضامن الفعليّ للسلم الأهليّ، ويتفادى أيّ قطيعة معه انطلاقاً من اعتقاده أنّ قيادته تلقّفت كرة نار كبيرة يجب أن لا تردّها كذلك، بل كرة حلّ. تلك إشارة إضافية رغب في إسماعها لهيكل، ومؤدّاها تروّي القيادة في تنفيذ الخطّة وضرورة إقرانها بتوافق سياسي يكرّسه مجلس الوزراء، وهو ما يمنح الحوار دفعاً ضروريّاً.

اترك تعليق