تعلن سوريا بوضوح موقفها بشأن المفاوضات التي تجريها مع إسرائيل، وهو العودة إلى اتفاقية العام 1974، وما يرتبط بها من ترتيبات تخص وضع الجنوب السوري. ولكن ما هو غير ملحوظ، أن تلك الاتفاقية انطوت إما على “بنود سرية” أو تداعيات طبيعية لسياق التطورات في تلك الفترة، فتأثر لبنان بها على مدى سنوات أو عقود. عمل وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كينسجر على صياغة تلك الاتفاقية سياسياً، واشتهر مسار التفاوض حينها بمسار “كيسنجر- الأسد”. ما نتج عنه كان ما يشبه التفويض الأميركي لسوريا للعب دور في لبنان.
مطالب دمشق وواشنطن
في ضوء المسار التفاوضي بين سوريا وإسرائيل، ينتظر لبنان زيارة لوفد رسمي سوري للبحث في معالجة الملفات العالقة، وتصحيح مسار العلاقات. لدى دمشق مطالب أصبحت معروفة. أولها، إخراج المعتقلين السوريين من السجون اللبنانية وتسليمهم لسوريا، لمحاكمتهم هناك. ثانيها، التوصية بإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين الإسلاميين، الذين تعتبرهم دمشق بأنهم سجنوا بسبب تأييدهم للثورة السورية. ثالثها، تنظيم وترتيب آلية دخول وخروج السوريين واللبنانيين بين البلدين. رابعها، التعامل بطريقة حسنة مع السوريين المقيمين بلبنان، وعدم التعرض لهم بالتعذيب أو بعمليات التوقيف العشوائية. خامسها، التنسيق الأمني والعسكري لضبط الحدود، وصولاً إلى ترسيمها. سادسها، البحث في تطوير العلاقات وتعيين سفراء وتفعيل العمل الديبلوماسي. سابعها، الدخول في مشاريع مشتركة بمجالات الطاقة. ثامنها، الدخول في اتفاقيات تجارية وفتح خطوط الترانزيت، واستفادة لبنان من المجالات الاقتصادية والتجارية وإعادة الإعمار في سوريا.
وإلى جانب زيارة الوفد السوري، لا يمكن إغفال الزيارات المتكررة للوفود الأميركية إلى بيروت، للبحث أيضاً في إنجاز ترتيبات خاصة بالوضع في الجنوب، وسحب السلاح، مع وعود بالحصول على مساعدات ومشاريع استثمارية. هنا يبدو لبنان وكأنه بين منزلتين. المنزلة الأميركية الإسرائيلية، والمنزلة السورية. علماً أن العلاقات بين واشنطن ودمشق تشهد تقدماً وتطوراً ملحوظاً، خصوصاً أن الموفد الأميركي توم باراك يمسك بالملفين وهو من أكثر المتحمسين للرئيس السوري أحمد الشرع وقيادته للمرحلة، وهو لطالما نصح المسؤولين اللبنانيين بضرورة ترتيب العلاقة وتحسينها وتطويرها مع الشرع.
ما بين دمشق وبيروت
في كلام سابق لمسؤولين سوريين وعلى رأسهم الشرع نفسه، تحدثوا عن أن دمشق لن تشكل خطراً على دول الجوار، ولن تكون منطلقاً لأي عمليات عسكرية. ما يقصده الشرع، أن سوريا لا تريد خوض مواجهة عسكرية ضد إسرائيل. كما أردف في الموقف نفسه، عن وجود أخصام أو أعداء مشتركين للجانبين. وهو كان يقصد بذلك حزب الله وإيران. الكلام الرسمي بالنسبة إلى المسؤولين السوريين حول لبنان، هو التشديد على العلاقة الجيدة والندية بين الجانبين، وأن دمشق حريصة على احترام سيادة لبنان وعدم التدخل بشؤونه، وهو ما يجب العمل على تكريسه. وهذا ما ستسعى سوريا إلى مناقشته خلال زيارة الوفد إلى لبنان، وفق ما يؤكد مسؤولون سوريون.
تتولى واشنطن مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، بينما المفاوضات السورية الإسرائيلية أصبحت مباشرة. ربما تريد واشنطن للمسار اللبناني الإسرائيلي أن يصبح بشكل مباشر في المرحلة اللاحقة. ولذلك هي تسعى إلى جعل مهلة عمل قوات اليونيفيل محصورة بسنة واحدة لا أكثر. عملياً، وضعت إسرائيل وأميركا شروطهما على لبنان، وأساسها سحب السلاح وصولاً إلى ترسيم الحدود وإنهاء حالة الصراع. سوريا أيضاً لديها شروطها على لبنان والتي ذكرناها سابقاً. بينما لبنان لا يزال يتعايش مع تعقيدات مختلفة بفعل الوضع الداخلي والوضع الإقليمي المتشابك.
السلاح وتفويض سوريا
القرار الذي اتخذ بشأن حصر السلاح أو سحبه لا يبدو أنه قابل للتطبيق سريعاً، خصوصاً في ظل المفاوضات الجانبية الدائرة، من أجل تجنب مسألة الجدول الزمني. كما أن حزب الله يتخذ مواقف علنية واضحة تشير إلى رفض تسليم السلاح.
يعني ذلك أن المسار الأميركي اللبناني قد يتعثر أو يتأخر، بينما في حال استمر التقدم على الخطّ الأميركي السوري، والإسرائيلي السوري، فحينها سيكون هناك تداعيات لإعادة تفعيل اتفاقية 1974 على لبنان. وهنا لا بد من التوقف عن الكلام الذي أطلقه الموفد الأميركي توم باراك قبل فترة، حين قال إن لبنان أمام تهديد وجودي، وإن لم يتحرك قد يعود لبلاد الشام. هو موقف يحمل إشارات واضحة أنه في حال تعثر لبنان بالمسار الذي يرسمه الأميركيون، فإنه سيكون عرضة لتدخلات سورية أو ربما لتفويض جديد لسوريا على الساحة اللبنانية، وإن بشكل مختلف عن ما كان عليه الوضع في العقود الماضية.