يتبنّى “الحزب” منهجيّة المقاومة الدائمة، المستنزِفة للدولة والمستثمِرة للأهالي. يؤسّس سيادتين، ويبتكر بدعة سيادته الخاصّة المنافية لخواصّ السيادة الوطنية. كان بمنزلة شريك مضارِب، يشارك في السلطة والحكم، ويتقاسم الحصص. يشارك في الحكومة ويعتبرها متعاملة، ويعطّل مفهومها وفقاً لميثاقيّته الخاصّة غير الدستوريّة. مارس “الحزب” أسلوب الهيمنة عبر السَّلْبَطة وبلا سيادة، وهدّد وأرهب وقتل المتخاصمين معه في الرأي. كانت سلطته من دون موافقة أو قبول. رضي بها المتحالفون معه عبر توأمة بين الفساد والسلاح. حمى سلاحه بالفساد وقدّمه في المرتبة على البلد، ويدافع اليوم عن هذا السلاح لتكريس سيادته الخاصّة به.
غرق “الحزب” في النكران، وتجاهل كلّ حقائق الذات الواقعيّة. ما يزال يعتبر انطلاقاً من عقيدته أنّه قادر على تغيير وتبديل كلّ ما جرى من أحوال آنيّة لمصلحته في القريب. اعتاد قانونيّة القوّة والسطوة المستبيحة. لا يزال أسير الأيديولوجية والاستراتيجية المبنيّتين على سراب النفحات الثوريّة الفاقدة للصلاحيّات التي ولّدت لديه حالة من الشرعيّة الوهميّة، توافرت مع تفوّق القوّة على مشروعيّة القبول العامّ، ومنحت التفوّق والفعّالية للفئة المتمرّدة على الدولة، وهو ما انتهى إلى غير رجعة.
يتبنّى “الحزب” منهجيّة المقاومة الدائمة، المستنزِفة للدولة والمستثمِرة للأهالي. يؤسّس سيادتين، ويبتكر بدعة سيادته الخاصّة المنافية لخواصّ السيادة الوطنية
تتبع الدولة خطوات مطمئنّة قائمة على الثقة والشراكة في مسيرة تحقيق السيادة، فتستعيد السيادة الضائعة، وهي حالة غير لحظيّة أو عابرة، بل ترتيب منظّم وعمليّ لفكرة الدستور اللبناني. وهذا ما يعارضه “الحزب” عبر التبشير بسيادته الخاصّة. نجحت الدولة في إقناع الأغلبيّة بأحقّية فرض إرادتها الدستورية من أجل ضمان استمراريّة مواطنيّتها. ويساعد هذا الأداء في تعزيز كفاية الهويّة الوطنيّة.
لا يكتمل مشوار أيّ سيادة من دون سرديّة تفاضل مشتركة في المبادئ والقناعات اللبنانية تنطلق من أهمّية تنفيذ الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، وتتركّز في جوهرها على ضرورة تطوير مؤسّسات الحكم وإدخال التحسينات والتعديلات الشاملة في الإدارات من بوّابة اللامركزيّة الإدارية الواردة في البند الثالث من باب الإصلاحات المجمَع عليها في “الطائف”.
يتمحور خطاب الدولة الرسمي حول خاصيّة الاحتواء والاستقرار، وتستعمل لغة التواصل أداةَ فعلٍ للبناء المشترك، يتفنّن “الحزب” ويتذرّع بالحوار على طريقته لأنّه تقنيّة تكتيكيّة لإضاعة الوقت وحسب. يمارس العسكرة المنتهِكة للدولة ونظامها، محرِّفاً الأمر الواقع ومسَلَّمات المصلحة الوطنية بشكل غير دستوري. جعل البلاد لأغراض غير وطنيّة بيد فئة مسلّحة، وفي خدمة أجندة خارجية لا علاقة للبنان بها. وحوّل عبر السلبطة الإرادة العامّة الجامعة إلى إرادة حزبيّة فئوية، وجعل من الميثاقية الوطنية ميثاقية مذهبيّة وثنائيّة، مع تزوير فاضح في حاكميّة الدولة وسيادتها.
تُحسب السيادة وحصريّة قرار الحرب والسلم والعنف المُقونن حالة ملازمة للدولة وغير حزبيّة، تتناغم مع الكيانيّة السياسية ذات الطبيعة اللاتسلّطيّة. فحصريّة السلاح شأن شرعيّ للدولة، يمنح نطاق عنفها المبرَّر مشروعيّة لصيقة بها وحدها، تمارسه في تحقيق مصالح الأمن القومي وتحصين الاستقرار السلميّ. إنّها القوّة القانونيّة المحقّة في سبيل ردع الجرائم والدفاع عن الأمن المجتمعي. يُناط قرار الحرب والسلم بالحكومة بالإجماع، وتُحدَّد عبرها الطريقة المناسبة للدفاع عن البلاد وصدّ أيّ عدوان. فالدولة هي المحتكرة للقانون والمُناط بها تطبيقه، وإلّا فستكون البلاد أمام اختلال شرس. ويتحوّل السلاح غير الشرعي واللاشرعي، المحصور بيد جماعة محدّدة، إلى مقدّمة لزوال حالة الاجتماع الوطني وتمزيق كيان الدولة، مع خطورة عدم اعتراف هذه الفئة بالسلطة واعتبار الدولة ساحة لعقيدتها.
تتبع الدولة خطوات مطمئنّة قائمة على الثقة والشراكة في مسيرة تحقيق السيادة، فتستعيد السيادة الضائعة، وهي حالة غير لحظيّة أو عابرة، بل ترتيب منظّم وعمليّ لفكرة الدستور اللبناني
يحقّ للدولة، لكونها الهيكل المجتمعيّ الرسميّ، احتكار السيادة والقوّة. وتقود هذه الجدليّة إلى مراجعة المآلات اللبنانية مع تعنّت “الحزب” المستمرّ بما هو قوّة ميليشياوية مسلّحة غير رسمية، وممارسته الوظيفية اللاشرعيّة الإيرانية عبر أسلوبه المتمرّد على الدولة. يعمل على تقويض فكرة استعلاء الدولة على مواطنيها، واضعاً البلد أمام نوعين من السيادة: الوطنيّة اللبنانيّة والحزبيّة. وتوصف مشروطيّة بسط السيادة وحصر السلاح بأنّها فرمان دستوريّ وأكثر من وجوديّ، إذ من دونه لن تكون هناك دولة. فالدولة هي الجهة الصالحة الوحيدة التي يحقّ لها التكلّم عن السيادة، وليس رئيس حزب وأمين عامّ أدخل البلاد في جهنّم المغامرات وهزائم عبثيّة.
الميليشيا ليست جيشاً وطنيّاً
بدأت الحكومة، التي يشارك فيها الأمين العامّ للحزب المسلّح، مشوار السيادة قبله، وعليه أن يلتزم قراراتها. ولن تكتسب الثقة الداخلية والمكانة والجدّية والجدارة الدولية إلّا من خلالها. ذلك أنّ أصل وجود الدولة يقوم على احتكار السلاح بيد السلطة الرسمية فقط. وعلى “الحزب” أن يكون عقلانيّاً، ويعود إلى الدولة مثل باقي المكوّنات، لأنّ السيادة الوطنية هي الرابحة الدائمة على سيادته الحزبيّة.