لم يكن عادياً «في الزمان والمكان» انتشار لافتات داعمة للجيش اللبناني (كلنا معكم) على الطريق من مطار رفيق الحريري الدولي وإليه، وكأن اللحظة السياسية في البلاد جعلت «المرقط» في الصدارة، وهو الذي يضع اللمسات الأخيرة على خطة «حصر السلاح بيد الدولة» بناء لقرار من الحكومة التي تعقد يوم الجمعة المقبل جلسة «ما فوق عادية» لمناقشة تلك الخطة والجدول الزمني لتنفيذها «الافتراضي» مع نهاية السنة الحالية.
وبدا، في ملاقاة جلسة الجمعة، ان الكواليس السياسية والقنوات الديبلوماسية «اشتعلت» باتصالات في الداخل ومع الخارج فـ «حزب الله» على سلاحه لن يسلم رصاصة واحدة وإسرائيل على جنوحها إلى حرب تمارسها الآن بالتقسيط و«لبنان الجديد» على محك قيام «دولة طبيعية بجيش واحد» واليد العربية – الدولية الممدودة تنتظر، وإيران المهجوسة باحتمالات الحرب لن تنفك عن ذراعها.
«حمام زاجل»
رئيسا الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام التقيا غداة خطاب مدوزن لرئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، سفيرا مصر علاء موسى وفرنسا هيرفية ماغرو في القصر والسرايا، ومراسلات أشبه بـ «الحمام الزاجل» بين المقرات الرئاسية وهواتف حمر مع الخارج، خصوصاً الموفد الأميركي توماس براك، الذي لم ييأس لبنان من دفعه نحو السعي لانتزاع ضمانات من إسرائيل، بالاستجابة لحل «الخطوة مقابل بخطوة».
وقالت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت ان الدينامية المتصاعدة هدفها الحد من مناخات التصعيد في الطريق إلى جلسة «حصر السلاح» يوم الجمعة وسط ملامح سيناريو يفترض مناقشة خطة الجيش وإقرارها بأقل مضاعفات ممكنة في الداخل ومع الخارج.
الجيش… الخطة والمخرج
ويستند هذا السيناريو، في ضوء المعلومات شبه المؤكدة، إلى خطة الجيش عينها التي تشتمل على ما يمكن أن يشكل مخرجاً يجعل الحكومة على قدر تعهداتها المرتبطة باتفاق الطائف والقرارات الدولية وخطاب القسم والبيان الوزاري، ويبعد في الوقت عينه شبح المواجهة التي لوح بها «حزب الله» عبر تهديده بتصعيد متدحرج في الشارع وسواه.
ومن هنا يرجح ان يقدم الجيش خطة شاملة لحصر السلاح لكن في إطار ممرحل يرتبط بجوانب تقنية تتصل بإمكاناته البشرية واللوجيستية والعسكرية والمالية، وهو الأمر الذي يجعل الجدول الزمني مطاطاً وعلى نحو يتيح حشد القوى الراعية لـ«لبنان الجديد» لممارسة الضغوط على إسرائيل لإلزامها بوقف النار والتزام الورقة الأميركية وجوهرها القائم على الخطوة – خطوة.
وفي الوقت الذي رحب البيان الختامي لاجتماع مجلس التعاون الخليجي بقرار مجلس الوزراء اللبناني القاضي بضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة في جميع انحاء لبنان، تبلغت بيروت أمس من السفير الفرنسي ان الموفد الرئاسي جان إيف لودريان سيصل إلى لبنان في غضون أيام لإجراء مشاورات في شأن اجتماعين يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدعوة اليهما، واحد لإعادة الإعمار وآخر لدعم الجيش.
السلاح و… الانكماش
ويسود في هذا الوقت قلق متزايد في الأوساط الاقتصادية والمالية، جراء احتدام «الاشتباك» السياسي الذي يزنّر ملف حصرية السلاح، والخشية من تصاعده الى أزمة داخلية مستدامة تفضي الى اقحام لبنان وقطاعاته مجدداً في حال «عدم اليقين»، وتبديد ملامح استعادة النمو الايجابي للناتج المحلي، عقب موجات الانكماش الحاد على مدار 5 أعوام متتالية.
ويستشعر مجتمع الأعمال المحلي، بقطاعاته المتنوعة، رهبة المواجهة السياسية وحماوة الخطابات التي تنذر بالاحتكام الى الشارع، بما يشي من مخاطر التدحرج صوب ايقاظ فتن متربصة، تفضي حكماً إلى قلب الترقبات المتفائلة الى اتجاه معاكس، واستتباعاً استنزاف المؤشرات المحققة مع قرب انتهاء الموسم السياحي الصيفي، والذي سجّل نجاحات مقبولة وتدفقات منعشة للاقتصاد المحلي لا تقل تقديراتها عن 3 مليارات دولار، رغم محدودية الإقبال الخارجي عموما والخليجي خصوصاً، والمعلق بدوره على نجاح الدولة في بسط سلطتها بقواها العسكرية الشرعية وعلى كامل الأراضي اللبنانية.
وتتوافق هذه المخاوف مع محاذير المرصد الاقتصادي للبنك الدولي، والذي سبق ان نبّه في تقرير بحثي بأن الآفاق الاقتصادية في لبنان، ما زالت متأثرة بالاستقرار الهش في البيئتين السياسية والأمنية. وفي الوقت نفسه، تستمر الأزمة المالية التي لم تتم معالجتها في عرقلة التدفقات المالية الكبيرة والاستثمارات الخاصة.
ووفق المؤسسة الدولية، يرتقب أن يسجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للبنان نمواً بنسبة 4.7 في المئة في نهاية العام الحالي، مدعوماً بالتقدم المنتظر إحرازه على صعيد خطة عمل متعددة القطاع لمدة عام لتسريع أجندة الإصلاحات الحكومية، وتعافي قطاع السياحة وزيادة معدلات الاستهلاك، فضلاً عن التدفقات الرأسمالية الوافدة رغم محدوديتها.
ويكتسب هذا النمو الايجابي حال بلوغه وعدم تعثر معطياته «الخريفية» على منوال العامين الماضيين، قيمة مضافة ووازنة، كونه يؤسس لمرحلة جديدة عقب خمسة أعوام «عجاف» من الانكماش الحاد للناتج المحلي، وبحصيلة تعدّت نسبتها نحو 40 في المئة من المستوى الأعلى قبل الأزمة، والبالغ نحو 51 مليار دولار.