من كفرشوبا إلى الناقورة باتت المنطقة الحدودية التي تمتد على مساحة نحو 120 كيلومتراً، كلها محتلة. النقاط الخمس أو الثماني المزعومة، التي تحتلها إسرائيل، هي نقاط وهمية أمام واقع الاحتلال غير المعلن لكل أطراف القرى المحاذية للحدود. فقد شكّل جيش الاحتلال حزاماً أمنياً بالحديد والنار، شبيه بالحزام الأمني قبل الانسحاب في العام 2000، لكن غير معلن رسمياً. وقوام هذا الحزام احتلال غير مباشر لمناطق زراعية وسكنية بعمق يراوح بين 2 و3 كيلومتر، على امتداد الحدود، يبدأ من كفرشوبا ويصل إلى الناقورة.
تشبه مرحلة السبعينيات
وتفيد مصادر من مختلف المناطق الحدودية لـ”المدن” أنه يمنع على سكان القرى الاقتراب من الأطراف المحاذية للحدود في قراهم. وترسَّخ هذا الواقع عبر آلية معتمدة في كل قرية بالتنسيق مع البلدية. فسكان القرية لا يمكنهم تفقّد بيوتهم أو أرضهم في المناطق المحاذية للحدود من دون طلب إذن من البلدية، التي تطلب بدورها الإذن من الجيش اللبناني، الذي بدوره يخابر قوات اليونيفيل للحصول على موافقة.
وأفاد أحد سكان كفرشوبا أن التعقيدات المعتمدة دفعته إلى عدم تفقّد رزقه في أطراف القرية مجدداً. وشرح أنه لم يتمكن من تفقد أرضه التي تعرّضت بساتينها للحرق، إلا بعد طلب إذن من البلدية التي نقلت طلبه إلى الجيش، الذي بدوره أبلغ قوات اليونيفيل باليوم والساعة المحددة للزيارة، وذلك بغية التنسيق مع إسرائيل لعدم تعرضه لإطلاق نار. فكل شخص يقترب من البساتين في المنطقة من دون علم الجيش عرضة للخطر. ومرات عدة تفلت بعض الأشخاص، وتعرضوا لإطلاق نار، وتعرضت أطراف البلدة للقصف.
يشبّه المصدر وضع السكان وحياتهم اليومية، (الذين عادوا للسكن في وسط القرية وفي أطرافها المحاذية للقرى اللبنانية البعيدة عن الحدود) بأوضاع الجنوبيين في فترة السبعينيات. حينها كان سكان القرى الحدودية يعيشون وسط القرى، ولم يمتدوا في العمران إلى الأطراف المحاذية للحدود. وكان الاقتراب من المناطق الزراعية ليلاً محفوفاً بالمخاطر. وكان الانتقال بالسيارات ليلاً ليس سهلاً: عندما كان السكان يريدون الانتقال ليلاً كانوا يبلغون القوى الأمنية والجيش، الذي كان يطلب منهم إبقاء كل مصابيح السيارة الداخلية والخارجية مضاءة.
منع تحريك الآليات
ووفق مصادر محلية يصل عمق هذا الخط إلى 3 كيلومتر أو يتقلص، وفق وضع كل بلدة. فعلى سبيل المثال، المناطق الزراعية في الوزاني ممنوعة على أبناء البلدة، وهذا الأمر يسري على بلدة الخيام، التي ليس لديها امتداد جغرافي مع الحدود. لكن بسبب قربها من تلة الحمامص المحتلة، باتت الأطراف المواجهة في البلدة ممنوعة على السكان من دون التنسيق المسبق مع الجيش.
أحد أبناء حولا شرح أن نحو 250 عائلة عادت إلى القرية، لكنها تسكن وسط القرية وفي الأطراف المواجهة لبلدة شقراء. وفي الأحياء الداخلية يعيش السكان على نحوٍ طبيعي، ولكن تحت مراقبة مشددة من الطائرات المسيّرة. ويمنع عليهم تحريك أية آلية لإزالة الردم أو البناء، إلا بطلب إذن من الجيش. وهذه حال كل القرى الحدودية.