إسرائيل تستعيد أسرار تفجيرات البيجر: أيلول الأسود

لم تمر الذكرى السنوية الأولى لواقعة تفجير أجهزة النداء الصوتي و اللاسلكي “البيجر “، وبعدها “الووكي توكي”، الخاصة بـ”حزب الله”، من دون أن تتوقف عندها المواقع والصحف الإسرائيلية والمنشورات العبرية في السوشال ميديا، تارة بسرد مستجد لما جرى، وتارة أخرى بتحليل العملية الاستخباراتية وتقييمها، وما لحقها من اغتيالات لقادة الحزب، وفي مقدمهم الأمين العام حسن نصر الله، مروراً بحرب واسعة على لبنان انتهت باتفاق هدنة تخرقها إسرائيل منذ نحو 9 أشهر.

“رسالة زائفة ثم دخان.. فانفجار”

ورصدت “المدن” مقالاً في موقع “إيمس” العبري، بعنوان “سنة على العملية التي أدهشت العالم”، مؤكداً أن الدخان خرج أولاً من جهاز “البيجر” فور ضغط عناصر حزب الله على أحد الأزرار لقراءة رسالة عاجلة “زائفة” من قيادة الحزب عند الساعة الثالثة والنصف من عصر يوم 17 أيلول/ سبتمبر 2024، ليتلوه انفجار أجهزة قادة الحزب وعناصره في وقت واحد في بيروت وجنوب لبنان وسهل البقاع وسوريا. وقد عبر الموقع العبري عما جرى بجملة مختصرة، مفادها “فجأة يخرج دخان من الجَيب.. ثم بوم!”.

ويؤشر استباق الدخان للانفجار، إلى أن آلية عمل المادة التي وضعها “الموساد”، اعتمدت أولاً على خاصية الاحتراق عند حلول ساعة الصفر التي أرادتها إسرائيل.. ثم انفجارها.

لماذا البيجر تحديداً؟

وحاول موقع “إيمس” الإجابة عن سؤاله الرئيس، مفاده “لماذا البيجر بالذات؟”.. مدعياً أن كل شيء بدأ في شباط/ فبراير 2024، عندما أمر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، رفاقه بالتوقف عن استخدام الهواتف الذكية، قائلاً إن إسرائيل “تتنصت عليكم وتتابعكم”، حيث طلب منهم التحول إلى أجهزة استدعاء “قديمة” مثل البيجر الذي يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، كون الجهاز لا يبث إشارات “جي بي إس”، ولا يحتاج إلى إنترنت، مما يجعله آمناً.

وهذا يعني أن خطة “الموساد” قامت على إشعار الحزب باختراقه عبر الأجهزة الحديثة، خصوصاً على إثر اغتيال قادته الميدانيين عقب اندلاع المواجهة على الحدود بعد 8 تشرين أول/ أكتوبر 2023، ثم إقناعه عبر عملاء ووسطاء باستعجال استخدام أجهزة “البيجر” في اللحظة الحاسمة، بحجة أنها أكثر أماناً.

زرّان.. ومفتاح تشغيل عن بُعد!

وأكد الموقع العبري أن تلك الأجهزة صممتها شركة أُنشئت لتكون واجهة لجهاز “الموساد” الإسرائيلي، وذلك بعد طلبها من الشركة التايوانية “جولد أبولو” أن تتولى هي تصميمها، على أن تستخدم العلامة التجارية للشركة الأم، موضحاً أن نحو 5 آلاف جهاز بيجر صُنعت في إسرائيل، وأُخفيت غرامات من المادة المتفجرة قرب البطارية، مع مفتاح تشغيل من بُعد يتطلب الضغط على زرّين اثنين، لمراعاة مسألة أن عناصر حزب الله يحملون الجهاز بكلتا اليدين، ولضمان زيادة الضرر إلى أقصى حد. وغُلّفت المادة المتفجرة على نحوٍ تضليلي يظهرها كأنها جزء من البطارية أو شيء تابع لها، حيث تعمد الموساد صناعة جهاز البيجر بتجويف داخلي أكبر، لإتاحة المجال لوضع الكمية الممكنة من المادة المتفجرة، من دون أن يكتشفها حزب الله.

ونشر موقع “إيمس” صورة تضم عدداً من مقاتلي حزب الله الذين استشهدوا جراء تفجير “البيجر”. لكن موقع “كيكار هشبات” الحريدي رأى أن كثيراً من التفاصيل المتعلقة بعملية “البيجر” ما زالت مجهولة؛ لاعتبارات أمنية واستخباراتية.

البيجر.. بوصفه مفتاحاً للحرب الجديدة؟

واعتبرت قراءات أمنية عبرية أن العملية التي خطط لها الموساد على مدار 15 عاماً، لم تُصِب حزب الله جسديًا فحسب؛ بل نفسيًا أيضًا. وقال الجنرال بالاحتياط والباحث في شؤون الأمن، جاك نيريا، إن ما جرى “نقطة تحوّل تسببت بفقدان حزب الله الثقة في وسائل اتصالاته”. كما رأت مقالات أمنية أنّ عملية “البيجر” جمعت بين الخداع الاستخباراتي ومكافحة “المخاطر الأمنية”، لكنها تساءلت عما إذا كانت العملية مفتاح التحول نحو المستوى التالي من الحرب الجديدة، مشيرةً إلى أن الزمن وحده “سيخبرنا بالإجابة”.

دعاية إسرائيلية.. لتأكيد “النصر”!

لكن إسرائيل انشغلت أيضاً في بث دعاية لمواجهة مضامين وسائل الإعلام المحسوبة على حزب الله، التي أحيت الذكرى السنوية الأولى لتفجير أجهزة اتصالاته اللاسلكية، تحت عناوين مثل “لقد تعافينا” و”ما زالوا يبصرون”.. لدرجة استنفار الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، للرد على احتفاء الحزب بنجاحه في الصمود، ومساعيه للنهوض بالرغم من الضربة الكبيرة التي تلقاها، حيث زعم أدرعي أن ما جرى غيّر قواعد اللعبة، وأن “الصور والشواهد والنتائج تؤكد أن حزب الله هُزم بالرغم من إنكاره”.

في حين شارك مراسل الشؤون العربية في قناة “كان” العبرية، روعي كيس، في موقع “إكس”، مقتطفاً لمقدمة ألقتها مذيعة بقناة “المنار” بمناسبة مرور سنة على تفجيرات البيجر، تقول فيها “تعافينا”. في الوقت الذي وصفت فيه منشورات عبرية بالسوشال ميديا، عملية تفجير أجهزة لاسلكي حزب الله، وما تلاها من اغتيالات لقادته ونشطائه، مروراً بالحرب الواسعة، بـ”أيلول الأسود” بالنسبة للحزب.

في المقابل، برزت منشورات عبرية أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي، شكّك عبرها إسرائيليون في مسألة “النصر المطلق” ضد حزب الله، وتحقيق النتائج النهائية التي كانت تريدها إسرائيل، معتبرين أن ما جرى ليس أكثر من “إنجازات تكتيكية”، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن “نجاح استراتيجي”، وأن المستقبل المجهول ما زال يفرض نفسه على جميع الأطراف.

اترك تعليق