هل السعودية مستعدة لتلقُّف مبادرة قاسم؟

سبقت اقتراح الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم الحوار على المملكة العربية السعودية، أجواءٌ في أوساط الحزب مفادها أن الاتصالات بين المملكة وإيران إيجابية جداً، وتبشر باحتمال التوصل إلى تقارب ملموس وتفاهمات في ضوء اعتداء إسرائيل على الدوحة، وشهية رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو على توسيع عدوانه في كل الاتجاهات، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، فضلاً عن حرب غزة التي يصرّ على إبقائها مفتوحةً، بالرغم من أنهار الدم الجارية فيها.

​تقول مصادر لـ”المدن” إن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو الذي اقترح على أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، خلال زيارته الرسمية لبيروت يوم الأربعاء 13 آب/ أغسطس الماضي، أن تُكثّف طهران اتصالاتها ولقاءاتها بالرياض. هذا الاقتراح يأتي ضمن قراءة مشتركة مع قيادة “الحزب” مفادها أن المملكة العربية السعودية تستطيع عبر وزنها الدولي والعربي أن تخفف الضغوط الأميركية، وبالتالي الإسرائيلية، على حكومة الرئيس نواف سلام لتطبيق القرار الذي اتخذته في جلسة 5 آب/ أغسطس الشهيرة بجمع سلاح “الحزب”، تحت تعبير “حصره”، ليسيطر الجيش اللبناني وحده على كل الأراضي اللبنانية.

​تضيف المصادر أن قيادة “الحزب” تلقت طلباً من طهران في هذا السياق لتلطيف الأجواء مع السعودية، بعد أعوام مديدة من توجيه الاتهامات والتهجمات اللفظية والأوصاف المسيئة إليها، وهو الأمر الذي انعكس على كلمة قاسم في الذكرى السنوية الأولى لقائد قوة “الرضوان” إبراهيم عقيل. وهكذا كانت المرة الأولى التي يتوجه فيها الحزب إلى المملكة بلهجة إيجابية.

​أوهام الحسابات السياسية

​إلا أن متابعين بدقة للمواقف السعودية يستبعدون أن تكون حسابات “محور الممانعة” صحيحة؛ بل يذهبون إلى وصفها بأنها “أوهام وأحلام يقظة”. فلو كانت المملكة قادرة على أن توقف سياسة نتنياهو العدوانية والمجنونة في كل الاتجاهات، ولا سيما في غزة، لفعلت ذلك تلقائياً ولا حاجة لدور إيراني في هذا الخصوص، وحتى رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب لم يعد سداً أمام هذه السياسة المتفلتة من عقالها، والتي تهدد بإحراق المنطقة بأكملها.

​كما أن المملكة العربية السعودية حريصة بقدر حرص الحكومة اللبنانية على نشر سلطة الجيش اللبناني وحصر السلاح بيده، تطبيقاً لاتفاق الطائف والقرارات الدولية وقرار وقف إطلاق النار الذي ينص على التخلي عن السلاح ووافق عليه “حزب الله” في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، قبل أن يطلق رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد في 8/ آب أغسطس الماضي عبارته التي صارت شعاراً: “الموت ولا تسليم السلاح. يروحوا يبلّطوا البحر”.

​يقول المتابعون إن السعودية، التي استاءت جداً من العدوان الإسرائيلي على الدوحة، والمتمسكة بتهدئة أوضاع المنطقة ما أمكن في هذه الظروف العاصفة، لا تزال تنظر بعين القلق إلى الهجمات المتبادلة بين إسرائيل والحوثيين في اليمن. ويشير هؤلاء إلى لجوء طائرة أو طائرتين مدنيّتين تابعتين للحوثيين إلى مطار عدن الذي يسيطر عليه حلفاء المملكة خلال الغارات الإسرائيلية، لحماية ما تبقى من الأسطول الجوي التابع لسلطة صنعاء، على الأقل للاستمرار في تأمين المساعدات الإنسانية. تعبّر سياسة الاستيعاب والتهدئة المستمرة هذه عن رغبة الرياض في تبديد الأجواء التي سادت في العام 2019، ووصلت إلى حد قصف منشآت “أرامكو” في المملكة بتوجيه إيراني وتنفيذ حوثي.

​تعلق غريق بحبال الهواء

​الواقع أن بناء “حزب الله” آمالاً على حوار مع المملكة، يكون بديلاً من حوار معه ترفضه الحكومة وبقية الأفرقاء في لبنان، هو أشبه بتعلّق غريق بحبال الهواء. فالحكومة، وخلفها المناهضون للحزب، “ذاقوا الويل” من سياسة تنكر هذه الجماعة للاتفاقات والتفاهمات بعد كل جولة حوار معها. لا تزال في الأذهان عبارة النائب رعد “اغلوها واشربوا ميّتها”، التي قالها بعد التوصل إلى اتفاق مع “الحزب” على ورقة “إعلان بعبدا”.

​تعرف الرياض هذه الحقائق، ولذلك يصعب أن تتجاوب مع اقتراح الشيخ نعيم قاسم. إلا أن الباب يمكن أن يكون مفتوحاً أمام الرئيس نبيه بري إذا شاء التمايز والتوقف عن الالتصاق بالحزب، علماً أن لهذه الخطوة محاذيرها، حتى بافتراض أنها مشتهاة لدى رئيس مجلس النواب الذي كان يُستقبَل في ما مضى كرؤساء الجمهوريات خلال زياراته لعواصم دول مجلس التعاون الخليجي، قبل أن يلتحق بسياسات “الحزب”، وينشأ ما اصطُلح على تسميته “الثنائي الشيعي”.

خطر اغتيالات وانتخابات؟

​يبقى أن أكثر ما يجب أن يُقلق “حزب الله”، على أبواب الذكرى الأولى لقائده التاريخي حسن نصرالله، في 27 أيلول/ سبتمبر الجاري، هو أن قيادته السياسية في دائرة الخطر الشديد. فقد دخل الحزب في صراع مع وحش مُصمّم على إنهاء من يقاتلهم أينما كانوا ومهما كلف الأمر من ضحايا ودمار.

فالرجل المتفلت من عقاله، والذي لا يعترف بالأعراف والمعاهدات والمواثيق الدولية، أقدم على قصف مفاوضيه من القيادة السياسية لـ”حماس” في الدوحة البعيدة من أجل تصفيتهم، بذريعة أنهم قادة تنظيم إرهابي ولا فرق فيه بين مقاتل ومدني، ليس مستبعداً أن يطبق مبدأه العدواني هذا في المستقبل على بيروت القريبة وفقاً للذريعة نفسها، ولن يجد من يردعه أو يستنكر حتى، غير ما تبقى من “محور الممانعة”، باعتبار أن لبنان لا يزال عملياً ساحة حرب.

ولعلّ ​أكبر دليل هو عودة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إلى نشر خرائط لأماكن “حمراء” قبل قصفها جواً. ما الذي يمنع أن تنتقل هذه الاعتداءات بالأسلوب نفسه في قابل الأيام إلى الضاحية الجنوبية، مع تكثيف لأعمال الاغتيال لكوادر وعناصر من الحزب على طرق الجنوب وفي المنازل، على ما يشهده اللبنانيون يومياً؟

في هذا الجو العاصف، كيف يمكن التحدث عن انتخابات نيابية في أيار/ مايو 2026 وعن اقتراع مغتربين وقانون انتخابات قد يستطيع “حزب الله” المشاركة فيها وقد لا يستطيع؟

اترك تعليق