تضاعفت أهميّة اللقاءات التي عقدها ويعقدها مستشار وزير الخارجية السعوديّ، الأمير يزيد من فرحان، مع الشخصيّات والقوى اللبنانية، لأنّها تحصل في أعقاب سلسلة من الأحداث- المتغيّرات، المحليّة والإقليميّة، التي دفعت بالبعض إلى الاعتقاد أنّ لبنان على أعتاب نقلة نوعيّة قد يفرضها إيقاع التصحيح المرتقب في العلاقة بين إيران والسعوديّة، واستطراداً “الحزب” وإيران. فما الذي حمله بن فرحان إلى السياسيّين الذين التقاهم؟
زاد توقيت زيارة بن فرحان لبيروت من حجم التساؤلات الباحثة عن حقيقة ما يحصل في الإقليم، بعد الأحداث الكبيرة التي شهدها خلال الأيّام الأخيرة، والتي بدأت مع قصف إسرائيل للدوحة، وما انتهت مع اللقاء الذي جمع وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان مع الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان على هامش القمّة العربية – الإسلامية التي نظّمتها واستضافتها الدوحة، ثمّ مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، توازياً مع توقيع السعوديّة وباكستان “النوويّة” اتّفاق دفاع مشترك.
محليّاً، وبعد “وقت مستقطَع” فرضه “ترحيب” حكومة نوّاف سلام بخطّة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، كمخرج هادىء يسحب فتيل التوتّر من الشارع ويبقي الثنائي الشيعي في بيت الطاعة الحكومي، أطلق الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم مبادرته الانفتاحيّة داعياً السعوديّة إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقة على أساس حوار يعالج الإشكالات، ويجيب عن المخاوف، ويحقّق المصالح”، فارتفع منسوب علامات الاستفهام عن حقيقة ما يحصل في المنطقة:
هل الحراك الإقليميّ المستجدّ هو عبارة عن مناورات تكتيّة ظرفيّة؟ أم هو تمهيد لتحوّلات جذريّة في التحالفات والسياسات؟ هل ستستفيد إيران من التوتّر في العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل إثر ضرب الدوحة، فتحسّن علاقاتها بالجوار الخليجي؟ هل يكون لبنان واحداً من ساحات التبريد الناجم عن هذا التطوّر؟
يستبعد البعض أن تكون لقاءات الرياض قد أنتجت تفاهمات كبيرة من شأنها أن تعيد رسم المشهد اللبناني
تكهّنات وغموض
لا إجابات دقيقة بعد. هي تكهّنات تملأ الغموض والفراغات التي أحدثتها الأسئلة الكبيرة، وخصوصاً أنّ بن فرحان لم يفصح، وفق المعلومات، خلال لقاءاته مع القوى السياسية عن أيّ تطور نوعيّ طرأ على علاقة بلاده بإيران، لا بل بادر إلى التأكيد أنّ علاقة طبيعيّة تسود بين البلدين منذ أكثر من سنتين، وتحديداً منذ توقيع اتّفاق بكين. وهو التوصيف الذي يستخدمه المسؤولون السعوديّون لعلاقة بلادهم بطهران، في تعبير لا يحتمل الكثير من الإيجابيّة، ولا الإفراط بالسلبيّة. إنّه الاعتدال الذي يجعلها علاقة سليمة لا تقارب التحالف ولا تستدعي الخصومة.
بن فرحان
أكثر من ذلك، تفيد المعلومات أنّ المسؤول السعوديّ تقصّد إعادة تأكيد قواعد بلاده في الملفّ اللبناني، التي سبق أن أعلنها في الكثير من المناسبات واللقاءات: العلاقة مع الدولة اللبنانية أوّلاً وأخيراً، وهي الممرّ لعلاقة السعوديّة مع لبنان. تدعم المملكة الدولة ومؤسّساتها ورئاستها. وزاد عليها هذه المرّة حرصَه على الإشارة إلى العلاقة المميّزة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أكثر من جلسة.
تضيف المعلومات أنّ بن فرحان تحدّث بإيجابيّة عن سلوك لبنان الرسميّ، ولو أنّ “الخطوات لا تزال بطيئة وصغيرة وتحتاج إلى الاستكمال، لكنّ البدايات صعبة”، كما قال أمام من التقاهم، مؤكّداً أنّ العلاقة ستبقى محصورة مع الدولة، مشيراً إلى أنّ لبنان مقبل على مرحلة ازدهار بعد الانتهاء من تحقيق مندرجات خارطة الطريق المطلوبة منه، مشدّداً على أنّ لا عودة عن حصريّة السلاح ولا الاصلاحات.
مقاربتان متناقضتان
من هذا الباب، يرى البعض أنّ مطلب حصريّة السلاح و”الوجهة” التي رسمها الشيخ قاسم للسلاح في مبادرته الحواريّة بقوله إنّ “سلاح المقاومة وجهته العدوّ الإسرائيلي، وليس لبنان، ولا السعودية، ولا أيّ مكان، ولا أيّ جهة في العالم”، تتركان المقاربتين على ضفّتَي نقيض: المجتمع الدولي يريد حصر السلاح بيد الدولة فيما “الحزب” متمسّك به لمحاربة إسرائيل نظرياً.
زاد توقيت زيارة بن فرحان لبيروت من حجم التساؤلات الباحثة عن حقيقة ما يحصل في الإقليم، بعد الأحداث الكبيرة التي شهدها خلال الأيّام الأخيرة
هكذا يستبعد البعض أن تكون لقاءات الرياض قد أنتجت تفاهمات كبيرة من شأنها أن تعيد رسم المشهد اللبناني، لا بل هي في إطار سياسة التهدئة التي تنتهجها إيران في المنطقة، وتحديداً مع السعوديّة، منذ فترة، خصوصاً أنّ التحضير لزيارة لاريجاني للمملكة يسبق التطوّرات الأخيرة، لكنّ تعرُّض الدوحة للقصف وما تركه إقدام إسرائيل على تخطّي الخطوط الحمر سرّعا الاتّصالات بين طهران والرياض لترتيب الزيارة.
تضيف المعلومات أنّ إيران تسعى إلى تكريس مبدأ حسن نيّتها في علاقتها مع السعوديّة، انطلاقاً من الملفّ اليمنيّ. هكذا كانت مبادرة قاسم الحواريّة، التي بقيت مشروطة بالتمسّك بالسلاح، دبلوماسيّة الطابع ضمن إطار مناخات التهدئة، لا تحمل انقلاباً في موقف “الحزب” من السلاح، كما يسود الاعتقاد.
على العكس ثمّة من يراها تأكيداً إيرانيّاً مباشراً أنّ طهران لا تزال شريكة في الملفّ اللبناني من خلال “الحزب” الذي صار جزءاً من الأمن القوميّ الإيرانيّ بدليل إسناد الملفّ اللبناني إلى لاريجاني، الذي يتمتّع بصلة مباشرة مع المرشد الأعلى للجمهورية، لا الخارجيّة الإيرانية، وللأمر دلالاته في منظار العلاقات الدولية.