باراك مرتاح لدمشق… وهل من غطاء لنتنياهو كي يوسع الحرب؟

يوماً بعد آخر، يتظهّر الموقف الأميركي الذي يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية في شكل كامل، وهو ما ينعكس بوضوح على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، لكنه لا يزال ملتبساً في سوريا. ليس بالأمر التفصيلي أن يخرج المبعوث الأميركي توم باراك بمواقف تبدو في غاية الوضوح متماهية مع السردية الإسرائيلية. فالمواقف الأخيرة للرجل أفصحت عمّا كان يتجنب إعلانه، وقد أعلنه صراحة السيناتور ليندسي غراهام لدى زيارته بيروت. وهو أيضاً يتماهى مع ما تعلنه الموفدة مورغان أورتاغوس. ثلاثُ نقاط تختصر الموقف الأميركي: الأولى أن واشنطن تتبنى السردية الإسرائيلية بالكامل لجهة إعادة بناء قوة حزب الله. الثانية أن الدولة اللبنانية لا تريد سحب سلاحه خوفاً من الحرب الأهلية. والثالثة تشديد الضغط المالي على الحزب وتجفيف مصادره.

ينقل كلام باراك لبنان من مرحلة إلى أخرى، تلك المرحلة تؤشر إلى مضاعفة الضغوط الأميركية بعدما كان اللبنانيون قد اعتبروا أنهم تجاوزوها بمجرد اتخاذ قرارات حكومية في 5 و7 آب وفي 5 أيلول. لم تدم الفرصة الوقتية طويلاً، حتى جاءت مواقف إسرائيلية تصعيدية مترافقة مع رفع الجهوزية العسكرية على الحدود، وهو ما أُرفق بتصريحات باراك التي تبدو وكأنها تمنح إسرائيل غطاءً لتنفيذ أي عمليات عسكرية. وذلك لا ينفصل عن رسائل ديبلوماسية عديدة وصلت إلى لبنان، وفيها أن إسرائيل لن تنتظر الدولة اللبنانية طويلاً كي تتحرك لسحب سلاح حزب الله، وإذا تأخرت أو تخلفت عن ذلك، فالخيار العسكري الإسرائيلي يبقى قائماً. وهذا ما تبلغه مسؤولون لبنانيون نقلاً عن ديبلوماسيين.

كلام براك تجاه لبنان، مشابه لكل المواقف الأميركية تجاه فلسطين في الضفة الغربية وحيال الدولة الفلسطينية التي تعترف بها دول عديدة بينما لا تزال أميركا تعارضها، وفي غزة لجهة الموقف الأميركي الذي يتبنى الموقف الإسرائيلي بشكل كامل ويحمّل الفلسطينيين وحركة حماس المسؤولية عن عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، علماً أن نتنياهو هو من يريد استمرار الحرب ويبحث عن توسيعها ومواصلتها من الآن وحتى الانتخابات المقبلة في خريف العام 2026، لا سيما أن إسرائيل اليمينية تسعى بكل حروبها إلى قطع الطريق على الدولة الفلسطينية والقضاء على القضية.

أما في سوريا فيبدو الموقف مختلفاً ولو من حيث الشكل، أو نظرياً، خصوصاً أن باراك يأخذ على عاتقه مسألة احتضان القيادة السورية الجديدة، وترتيب وضعيتها الدولية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، إضافة إلى ممارسة ضغوط كثيفة على دمشق وتل أبيب في سبيل الوصول إلى اتفاق ترتيبات أمنية والعمل على توقيعه إما في نيويورك أو بعدها. في هذا السياق، ينظر باراك إلى نفسه فيجد أنه نجح في تحقيق الهدف الاستراتيجي في سوريا من خلال التقارب مع القيادة السورية، ووضع مسار التفاهم الأمني مع إسرائيل على السكة. وقد حاول أن يحقق ذلك في لبنان أيضاً، لكنه لم ينجح حتى الآن، خصوصاً بعد قرار الحكومة في 5 أيلول إذ لم يلتزم بأي جدول زمني لسحب السلاح، وتمسَّك بشروط الانسحاب الإسرائيلي ووقف الضربات. وهذا ما لا تريده إسرائيل، بل تسعى إلى فرض أمر واقع عسكري وأمني يؤمّن مصلحتها. ولذلك جاء موقف باراك الواضح لجهة عدم استعداد اسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس.

وللمفارقة، إن مواقف باراك التصعيدية تجاه لبنان تتزامن مع مواصلة تل أبيب إرسال المزيد من التعزيزات العسكرية في اتجاه الحدود اللبنانية، والاجتماعات المكثفة التي يعقدها نتنياهو مع مسؤوليه العسكريين للبحث في الوضع على مختلف الجبهات. وهو ما يشير إلى التحضير الإسرائيلي لحرب جديدة على مستوى المنطقة، في محاولة للردّ على مسار اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية، إلى جانب تحضيراته المستمرة لخوض معركة ضد إيران، على وقع تصريحات نتنياهو حول تدمير المحور الإيراني.

اترك تعليق