أين تقف رئاسة الجمهوريّة من الخلاف السياسيّ الذي يتعمّق أكثر فأكثر في شأن قانون الانتخاب؟ هل يمكن لتسوية داخليّة أن تفتح الطريق أمام استحقاق أيّار 2026، أم تتكفّل الإملاءات الخارجيّة بالأمر؟ في كلتا الحالتين يتطلّب الأمر تدخّلاً سريعاً بحكم ضغط المهل القانونية المرتبطة بالاستحقاق، والتي لا تحتمل تأجيلاً طويلاً إلّا إذا كان ثمّة قرار بتطيير الانتخابات!
تستعدّ الأمانة العامّة لمجلس الوزراء لتوجيه دعوة للوزراء إلى جلسة حكوميّة تُعقد يوم الإثنين ستشهد عرض التقرير الأوّل لقيادة الجيش في شأن تطبيق خطّة حصريّة السلاح، سنداً لقرار مجلس الوزراء في 5 أيلول الماضي الذي “رحّب” بالخطّة، ودعا قيادة الجيش إلى رفع تقرير شهريّاً إلى مجلس الوزراء.
لم يكن ممكناً لأيّ صدام، أو توتّر، على مستوى رئاستَي الجمهوريّة والحكومة أن يُفرمِل انعقاد الجلسات الحكومية على مدى طويل، حتّى لو أنّ لقاء بعبدا يوم الثلاثاء بين الرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام لم يتكفّل بإزالة كلّ رواسب التراكمات السلبيّة في العلاقة، التي بدت أحداث صخرة الروشة تتويجاً لها لا احتكاكاً رئاسيّاً طارئاً ومن خارج السياق.
وفق المعلومات، هناك قرار ضمنيّ مشترك، وربّما من دون تنسيق، لإدارة أزمة العلاقة غير المنسجمة بين الرئيسين، مهما كلّف الأمر. هي حكومة العهد الأولى، وهي “جوكر” الدول المعنيّة مباشرة بالأزمة اللبنانيّة، خصوصاً واشنطن والرياض، وليست هناك أيّ مصلحة في المقابل لرئيس الجمهوريّة، المدعوم أيضاً أميركيّاً وسعوديّاً، بحصول خلاف مع رأس السلطة التنفيذيّة، وهو ما يؤثّر مباشرة على انطلاقة العهد.
قالت الحكومة كلمتها في القانون. لم ترسل مشروع قانون بالتعديلات إلى مجلس النوّاب
نوّاف باقٍ؟
الأهمّ من ذلك أن لا أحد قادر منذ الآن على حسم مسألة بقاء نوّاف سلام في السراي إذا حصلت الانتخابات النيابية في موعدها، وهو ما سيحوّل حكومته إلى حكومة تصريف أعمال تسبق ولادة الحكومة الجديدة، وربّما تكليف رئيس حكومة آخر. هذا معطى مهمّ يرتبط بتعاطي رئيس الجمهوريّة مع رئيس حكومة باقٍ في موقعه، أو رئيس حكومة راحل.
يرى مطّلعون أنّ تقليد رئيس الجمهوريّة قائد الجيش وساماً يُمنح في حالات استثنائيّة، بعد ستّة أشهر ونصف فقط من تاريخ تعيينه، من دون أن يترافق مع حدث كبير يفرض ذلك، خصوصاً أنّ خطّة الجيش المُقرّة في مجلس الوزراء في 5 أيلول لا تزال في بداياتها، شكّل رسالة قويّة لرئيس الحكومة تردّ على موقفه من أداء الجيش في شأن فعّاليّة إضاءة “الحزب” صخرة الروشة بصور الأمينَين العامّين السابقين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين.
الانتخابات
هي رسالة لاقت صدى سلبيّاً جدّاً في السراي لناحية توقيتها حصراً، وتتكامل مع مسار من اختلاف المقاربات و”العقليّات” بين الرجلين في تحقيق الأهداف نفسها، فيما يتظلّل هذا المشهد هجومٌ واضح يشنّه موالون لـ”القوّات اللبنانيّة”، أو يدورون في فلكها، أو ممّن يُحسبون من فريق الموالاة للعهد، على رئيس الجمهوريّة في مقابل إغراق رئيس الحكومة بالمواقف الداعمة والمُثنية على أدائه.
يكفي ذكر موقف رئيس حزب “القوّات” سمير جعجع الذي أعقب أحداث الروشة لناحية تجاهله بشكل واضح الإشارة إلى دور رئيس الجمهوريّة في سياق قيام “دولة حقيقيّة”، وإعطاء كلّ رصيد الدعم لرئيس الحكومة فقط، وانتقاده للأجهزة الأمنيّة “التي تصرّفت وكأن لا علاقة لها بالقوانين”.
وفق المعلومات، هناك قرار ضمنيّ مشترك، وربّما من دون تنسيق، لإدارة أزمة العلاقة غير المنسجمة بين الرئيسين، مهما كلّف الأمر
غيبوبة نيابيّة
على ضفّة ساحة النجمة، يبدو مجلس النواب كمن دَخَل في غيبوبة نيابيّة ناتجة عن المواجهة القاسية بين معسكرَين في شأن اقتراع المغتربين. لن يدعو رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى جلسة للهيئة العامّة لاستكمال النقاش في جدول الأعمال، مع علمه المسبق بالإصرار على تطيير نصابها، محمِّلاً هذا الفريق مسؤوليّة إعاقة صدور القوانين الإصلاحيّة، وسلّة القوانين التي تمّ إقرارها في جلسة الإثنين الماضي بسبب عدم إقفال محضر الجلسة.
قالت الحكومة كلمتها في القانون. لم ترسل مشروع قانون بالتعديلات إلى مجلس النوّاب، ولم تأخذ بتقرير الخبراء الذي يُقدّم السيناريوهات التطبيقيّة المتاحة لتطبيق بنود اقتراع المغتربين للنوّاب في القارّات الستّ، ويوزّع المقاعد الستّة على القارّات.
أتت الخطوة الأولى من جانب وزراتَي الداخليّة والخارجيّة بتحديد 2 تشرين الأوّل تاريخ البدء بتسجيل اللبنانيّين غير المقيمين على الأراضي اللبنانيّة، للمشاركة في الانتخابات النيابيّة المقبلة، على أن تنتهي المهلة في 20 تشرين الثّاني من عام 2025، وذلك سنداً إلى القانون الحاليّ الذي لا يزال موضع خلاف سياسيّ عطّل جلسات الهيئة العامّة.
أمّا رئيس الحكومة نفسه فقد أعلن أمس تموضعه الكامل بوجه الثنائي الشيعيّ، أي إلى جانب الفريق المنادي بالضغط على الرئيس برّي للسير بالتعديل الذي يسمح باقتراع المغتربين حصراً للـ128 نائباً، عبر تأكيد “ضرورة ضمان حقّ جميع اللبنانيّين، المقيمين وغير المقيمين، في الاقتراع ضمن دوائرهم”، مع التزام عدم تأجيل أو تعطيل الاستحقاق.
ينقل زوّار رئيس الجمهورية عنه موقفه الصارم “بضرورة إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها، ولن يتهاون في شأن محاولة تطيير هذا الاستحقاق
عون ضدّ التّأجيل بقوّة
أتى الردّ الأوّل من رئيس الجمهورية على هذه المشهديّة من خلال استقباله أمس وزير الداخلية أحمد الحجّار الذي وضعه في أجواء التحضيرات ودعوة المنتشرين إلى تسجيل أسمائهم في الخارج للاقتراع.
ينقل زوّار رئيس الجمهورية عنه موقفه الصارم “بضرورة إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها، ولن يتهاون في شأن محاولة تطيير هذا الاستحقاق، أو تأجيله، لعلمه بأنّ أكثر من طرف سياسيّ أصحاب مصلحة في ذلك”. وهو في الكواليس من مؤيّدي مشاركة المغتربين في الخارج بانتخاب الـ128 نائباً.
استطراداً سيعني أيّ تمديد محتمل لمجلس النوّاب تمديداً لولاية الحكومة الحاليّة. هنا يشير مطّلعون إلى أنّ “إجراء الانتخابات في موعدها في أيّار 2026 يعني أنّ مجلس النوّاب لن ينتخب رئيس الجمهوريّة المقبل الذي ستفصل بين نهاية ولايته الرئاسيّة في 9 كانون الثاني 2031 ونهاية ولاية البرلمان في أيّار 2030 أقلّ من ثمانية أشهر، إلّا إذا تمّ التمديد لمجلس النوّاب المنتخَب في أيّار 2026 من أجل انتخاب الرئيس المقبل”.