“جوّ التسويات” في المنطقة الذي تحدّث عنه رئيس الجمهوريّة جوزف عون، و”الذي يجب أن لا يكون لبنان خارج مساره”، تقدَّم كلّ عناوين الداخل في ظلّ ثبات في الموقف الأميركي على عدم القدرة، حتّى الآن، على الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها، وهو شرط “رئاسيّ” لبدء التفاوض.
يجري جدّيّاً في الكواليس تداول الاقتراح الرئاسيّ في ظلّ مخاوف رسميّة لبنانيّة جدّيّة من استمرار العدوّ الإسرائيلي في إنجاز “أجندته” للتخلّص من سلاح “الحزب” بمعزل عن اتّفاق غزّة. كبرى المفارقات أن يصدر عن مرجعيّة سياسيّة بارزة تحليل – موقف مفاده: “لو كنت محلّ الإسرائيليّ، فلماذا أوقف ضرباتي ضدّ الحزب؟”.
نَقل بعض زوّار رئيس الجمهوريّة قوله إنّ الضربة الإسرائيليّة التي استهدفت أخيراً تجمّعات لآليّات مدنيّة تُستخدم في البناء وإعادة الإعمار بالقرب من المصيلح، مقرّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، شكّلت رسالة ضغط واضحة على لبنان “بضرورة بدء التفاوض”.
كان اللافت أكثر تقصّد الرئاسة الأولى إبراز موقفها “إعلاميّاً” من الدعوة إلى التفاوض غير المباشر مع إسرائيل، بعد وقف عمليّاتها العسكرية، قبل ساعات من انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الذي غاب عنه لبنان، لكنّه لم يُغيَّب من خلال إشادة الرئيس الأميركي من الكنيست الإسرائيلي بجهود الرئيس عون لنزع سلاح “الحزب”.
وفق المعلومات، اندرجت فكرة التفاوض التي أطلقها الرئيس عون ضمن سياق استكمال مسار بدأ مع الموفد الأميركي السابق إلى لبنان توم بارّاك، بعد مرحلة شابها الارتباك والتوتّر خلال تولّي مورغان أورتاغوس مهامّها في لبنان.
توسّعت دائرة التفاوض لتشمل الرئيس نبيه برّي، الذي أبدى موافقته استناداً إلى تجربة التفاوض بوساطة آموس هوكستين، في ما يخصّ ترسيم الحدود البحريّة، لكن في ظلّ غموض وتكتّم رافقا موقف “الحزب” من هذا الطرح.
وفق المعلومات، اندرجت فكرة التفاوض التي أطلقها الرئيس عون ضمن سياق استكمال مسار بدأ مع الموفد الأميركي السابق إلى لبنان توم بارّاك
هل يقبل “الحزب”؟
يقول العارفون إنّ النقاش في فكرة التفاوض، خلال مرحلة بارّاك، تقدَّم خطوات ملموسة إلى الأمام، إلى أن غيّرت واشنطن “إدارتها” للملفّ اللبناني، بإرسال وفد أميركي موسّع تباينت “اللهجة” بين أعضائه، ثمّ حصرت دور مورغان أورتاغوس بحضور اجتماعات “الميكانيزم”، بالتزامن مع قرب وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى لبنان.
السؤال الكبير الذي سيُطرح في هذا السياق: هل يقبل “الحزب” البدء بالتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، بوساطة أميركية شبيهة بوساطة هوكستين، إذا أوقفت إسرائيل اعتداءاتها، وبقيت في المقابل في النقاط الحدودية المحتلّة مع احتفاظها بالمنطقة العازلة؟
التفاوض
فعليّاً، منذ إتمام الترتيبات “الاستعراضيّة” لاتّفاق غزّة، بحضور رئاسيّ أميركيّ نادر، قاد دونالد ترامب من الكنيست الإسرائيليّ إلى شرم الشيخ، من خلال خطابات وأداء من جانب رئيس الولايات المتّحدة الأميركيّة لم تألفهما بروتوكولات الدول والمنابر العالميّة، بدا لبنان متأرجحاً أمام أكثر من سيناريو في ظلّ غموض كبير يحيط بانعكاسات اتّفاق غزّة بين “حماس” وإسرائيل على مصير سلاح “الحزب” وعلى استاتيكو الاحتلال الإسرائيليّ لمواقع حدوديّة في الجنوب، وعجز “المقاومة الدبلوماسية” حتّى الآن عن الضغط على إسرائيل للانسحاب. حتّى الساعة، لا يبدو أنّ فكرة التفاوض مع إسرائيل، التي تضغط واشنطن والموفدون الدوليّون باتّجاهها، قابلة للتطبيق لأسباب إسرائيليّة أوّلاً، ثمّ لجهة موقف “الحزب” منها.
لا خارطة طريق
هكذا تتراكم مؤشّرات الضغط للجلوس مع الإسرائيليّ، ومؤشّرات “الاستجابة” الداخليّة لهذا الضغط، لكن من دون وضع خارطة طريق حتّى الآن لهذا المسار، مع العلم أنّ لجنة “الميكانيزم” (لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائيّة) تضمّ حاليّاً الطرفَين اللبنانيّ والإسرائيليّ بحضور دوليّ عسكريّ يشمل الأميركيّين والفرنسيّين و”اليونيفيل”.
لا يبدو أنّ فكرة التفاوض مع إسرائيل، التي تضغط واشنطن والموفدون الدوليّون باتّجاهها، قابلة للتطبيق
هنا يُطرح تساؤل: هل تنتهي مهامّ هذه اللجنة من أجل وساطة أميركيّة أشمل تُجلِس اللبناني والإسرائيليّ وجهاً لوجه؟ أم يجري العمل بمسارين: عسكريّ تعكسه اجتماعات اللجنة، وسياسيّ تعكسه لجنة التفاوض في شأن الانسحاب وكلّ الإشكاليّات العالقة بين الطرفين؟
يؤكّد مصدر معنيّ: “اجتماعات الميكانيزم، التي تُعنى بالتفاصيل العسكريّة والعملانيّة واللوجستيّة المحضة، قائمة بموجب اتّفاق وقف الأعمال العدائية الذي تمّ التوافق عليه دوليّاً، ولا شيء يُلغي العمل بها سوى اتّفاق مماثل بعد إنجاز مهمّة سحب السلاح على كامل الأراضي اللبنانية”.
على خطّ موازٍ، بَرَز مؤشّر تقنيّ لافت من خلال تصريحات المتحدّثة باسم قوّات الأمم المتّحدة في لبنان Kandice Ardiel، يوم الثلاثاء، التي أشارت إلى أنّ قرار خفض أفراد قوّات حفظ السلام في العالم بنسبة 25% “قد يضعنا أمام مواجهة قرارات صعبة للغاية”، لافتةً إلى أنّ “لهذا التقليص انعكاسات سلبيّة على قدرتنا على تنفيذ ولايتنا بالكامل”. هذا مع العلم أنّ نسبة التخفيض التي طالت دول العالم التي توجد فيها قوّات حفظ سلام، لم تمنع واشنطن، كما ذكر موقع “أساس”، من الإبقاء على مساهمتها بعد تخفيض بلغ 15%.