مُجدّداً، رُميت الكرة في ملعب الرئيس نبيه برّي في ما يخصّ التعديلات على قانون الانتخاب. تسوية أو مواجهة قاسية تهدّد بتطيير الانتخابات؟
وفق معلومات تسرّبت من دوائر ضيّقة جدّاً، يتصرّف “الثنائي الشيعي” على أساس أنّها إحدى أهمّ معاركه السياسيّة منذ التسعينيّات، ولن يتوانى عن استخدام كلّ الوسائل “لإعاقة مشروع محاصرته”، بما في ذلك طرح 27 نائباً شيعيّاً الثقة بحكومة نوّاف سلام.
منذ يوم الإثنين وصل مشروع قانون الحكومة المُعجّل المتعلّق بالتعديلات على قانون الانتخاب إلى القصر الجمهوريّ من الأمانة العامّة لمجلس الوزراء. لكنّ وجود رئيس الجمهوريّة جوزف عون في بلغاريا أجّل إلى يوم أمس توقيع المرسوم، الذي سبق أن وقّعه رئيس الحكومة نوّاف سلام ووزير الداخليّة أحمد الحجّار. لذلك يُفترض أن يُرسَل مباشرة إلى مجلس النوّاب.
هنا تكمن كلّ القصّة. في المعلومات أنّ الرئيس برّي سيحيل مشروع قانون الحكومة إلى اللجنة النيابيّة الفرعيّة المنبثقة عن اللجان النيابيّة المشتركة، المُكلّفة درس اقتراحات القوانين الانتخابيّة وعددها ستّة أُضيف إليها اقتراح القانون المعجّل المكرّر من نوّاب “القوّات” و”الكتائب” ومستقلّين، ومشروع قانون الحكومة، ليرتفع عدد اقتراحات القوانين على طاولة اللجنة إلى ثمانية.
لكنّ معارضي برّي يقاطعون جلسات اللجنة، معتبرين أنّ الحلّ الحاسم هو في الهيئة العامّة، وعبر “الخطّ العسكريّ” بإقرار اقتراح قانون، أو مشروع القانون الوارد من الحكومة، بتعليق العمل بالمقاعد الستّة المستحدَثة لتمثيل المغتربين، “بصورة استثنائية”، وإتاحة تصويت المغتربين للـ128 نائباً، وتمديد مهلة التسجيل في الخارج.
وفق معلومات تسرّبت من دوائر ضيّقة جدّاً، يتصرّف “الثنائي الشيعي” على أساس أنّها إحدى أهمّ معاركه السياسيّة منذ التسعينيّات
“مرسوم عون”؟
بالتالي، هناك رفض تامّ من قبل هؤلاء لـ”إغراق” جلسة الهيئة العامّة التي قد يدعو إليها برّي باقتراحات القوانين الستّة، أو بطلب تعديلات موسّعة قد تنسف القانون الحالي، كما هو الحال مع اقتراح القانون المقدّم من النائب علي حسن خليل لاعتماد قانون خارج القيد الطائفي واستحداث مجلس شيوخ، أو لجهة طلب تعديلات كاعتماد صوتين تفضيليَّين، أو خفض سنّ الاقتراع، أو التعديل في بعض الدوائر.
أكثر من ذلك، يُلوّح هذا الفريق بالمادّة 58 من الدستور التي تتيح، برأيه، إصدار مشروع قانون الحكومة بمرسوم من رئيس الجمهوريّة.
قانون الانتخاب
لا يتوقّف الأمر عند كون هذه الخطوة تُشكّل تحدّياً مباشراً من الرئاسة الأولى للرئاسة الثانية، وحتّى كسراً للجرّة، وهذا أمر غير وارد. إلّا أنّ المادّة الدستوريّة نفسها لا تتيح لرئيس الجمهوريّة استخدام هذا الحقّ، بعد موافقة مجلس الوزراء، إلّا “بعد مضيّ أربعين يوماً من إدراج الاقتراح على جدول أعمال جلسة عامّة، وتلاوته فيها، ومضيّ المهلة من دون أن يُبتّ”. واقع الحال أنّ برّي لن يُدرجه أصلاً على جدول الأعمال!
تسوية حتميّة أم…؟
الصورة غير واضحة حتّى الآن عن المسار الذي ستسلكه التسوية “الحتميّة” لملفّ قانون الانتخاب، لأنّ بديل ذلك سيكون تأجيل الانتخابات بسبب تعذّر التئام الهيئة العامّة لإجراء التعديلات اللازمة على القانون، سواء بإلغاء مقاعد الاغتراب الستّة التي يفرض قانون الانتخاب النافذ إجراء الانتخابات على أساسها (الدائرة 16)، أو تعديل القانون لجهة تصويت غير المقيمين في الخارج للنوّاب الـ 128، كما جاء في اقتراح الحكومة، ولجهة أيضاً إلغاء البطاقة الممغنطة واعتماد مراكز الاقتراع الكبرى “ميغاسنتر”.
عون وقّع مرسوم تعديلات قانون الانتخاب وأرسله إلى مجلس النوّاب: تسوية أم انفجار؟
في كلّ ما يحصل هناك مهلة داهمة هي 20 تشرين الثاني موعد انتهاء تسجيل المغتربين في الخارج الذين لم يقُل بعدُ مجلس النوّاب كلمته في ما إذا كانوا سيُصوّتون للمقاعد الستّة في القارّات (كما ينصّ القانون الحالي)، أو للـ128 نائباً، أي هناك مهلة أسبوع واحد فقط تفصل عن انتهاء المهلة، فيما أصدرت وزارتا الداخليّة والخارجيّة بياناً أعلنتا فيه أنّه حتّى تاريخ 3/11/2025 تمّ تسجيل 33,390 طلباً عبر منصّة وزارة الخارجيّة. وهو رقم متدنٍّ جدّاً لا يسمح حتّى لو بلغ 60 ألفاً باستنفار السفارات في الخارج، ودفع الأموال لإجراء الانتخابات في الاغتراب، فيما تفيد معلومات خاصّة بموقع “أساس” أنّ الناخبين الشيعة يُحقّقون النسبة العليا في التسجيل، خصوصاً في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ثم أصدرتا أمس بياناً أشارتا فيه إلى أن أرقام المسجّلين ارتفعت إلى 51,685.
في الوقائع، سيكون تمديد هذه المهلة جائزاً وممكناً فقط إذا تمّ تعديل القانون كي يتمكّن غير المقيمين في الخارج من التصويت للنوّاب الـ128. لكن حتّى الآن، ليس الثنائي الشيعي، وعلى رأسه الرئيس برّي، بوارد فتح أبواب المجلس لإقرار تعديلات تُشكّل، برأيه، استكمالاً لمشروع حصار “الثنائي”، لأنّ ناخبيه لا يملكون حرّيّة التحرّك في الخارج، بفعل الحصار الأميركيّ – الإسرائيليّ على “الحزب” وداعميه.
خليل: سنواجِه الانقلاب
في مواقفه الأخيرة التي عَكَست مقاربة الرئيس برّي للقانون قال نائب حركة “أمل” علي حسن خليل، الصادرة بحقّه عقوبات أميركيّة عام 2020، إنّ “الحكومة تخلّفت عن القيام بواجب إعداد الإجراءات التطبيقيّة لاقتراع المغتربين للنوّاب في القارّات الستّ، تحت ضغط إرهاب فريق سياسيّ “في عقله”، وبالمعلومات، يريد أن يستكمل المعركة العسكريّة التي حصلت لإحداث انقلاب في الواقع الانتخابيّ بمواجهة الثنائيّ الشيعيّ”.
منذ يوم الإثنين وصل مشروع قانون الحكومة المُعجّل المتعلّق بالتعديلات على قانون الانتخاب إلى القصر الجمهوريّ من الأمانة العامّة لمجلس الوزراء
أكّد خليل أنّ “تكافؤ الفرص في الخارج في معظم الدول، لجهة حرّية الناخب والمرشّح معاً، غير موجود، ونتعاطى مع هذا الأمر باعتباره استهدافاً لمكوّن أساسيّ، وسنخوضها معركة سياسيّة. لن نسمح بحدوث هذا الانقلاب، ولدينا الأدوات السياسيّة والقانونيّة لنعمل بها إلى أقصى مدى”، مسجّلاً علامات استفهام كبيرة عن “قدرة الحكومة على مواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة إذا كانت عند كلّ استحقاق تخضع لتهديد فريق يريد أن يُغيّر في التوازنات الداخليّة”.



















