حصار أميركيّ على عون والجيش؟

بين انفتاح الرياض حيال لبنان، وتضارب الإشارات الأميركيّة في شأن أداء السلطة السياسيّة والجيش، والتصعيد الإسرائيليّ المتدحرج المُهوّل بحربٍ وشيكة، ومشهد بيروت “الاستثماريّ”، أتى خبر إلغاء مواعيد تندرج ضمن زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل للولايات المتّحدة الأميركيّة بمنزلة “خَتم” على ورقة الاعتراض الأميركيّ ليس فقط على أداء قيادة الجيش، إنّما القيادة السياسية أيضاً. عليه، أتى قرار إلغاء الزيارة برمّتها من جانب اليرزة وبعبدا معاً.

تتدحرج كرة الاعتراض الأميركيّ بسرعة، بضغط إسرائيليّ واضح، إلى حدّ إلغاء زيارة قائد الجيش للولايات المتّحدة الأميركيّة، من دون تحديد تاريخ آخر، وهو ما يُعدّ سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ التسعينيّات. وقد تبلّغ قائد الجيش إلغاء الزيارة من خلال السفارة اللبنانيّة في واشنطن، بعدما تبلّغت بدورها بالأمر. وقد حصل الأمر بداية على مستوى تخفيض مستوى من سيلتقيهم قائد الجيش، ومن ضمنهم نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان في الجيش الاميركي ومسؤولين في البيت الأبيض والكونغرس، ثم توالى إلغاء هذه اللقاءات تباعاً.
تتدحرج كرة الاعتراض الأميركيّ بسرعة، بضغط إسرائيليّ واضح، إلى حدّ إلغاء زيارة قائد الجيش للولايات المتّحدة الأميركيّة، من دون تحديد تاريخ آخر

زيارة الثّلاثة أيّام

يُذكر أنّ هذه الزيارة لو تمّت فستكون الأولى للعماد هيكل على هذا المستوى، إذ سبق لقائد الجيش أن حطّ في فلوريدا آتياً من بريطانيا في زيارة رسميّة في آب الماضي للمشاركة في حفل وداع قائد القيادة المركزيّة الأميركيّة الجنرال مايكل كوريلا في مركز المؤتمرات في تامبا، وتَسلُّم براد كوبر القيادة الجديدة، بحضور عدد من كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأميركيّة، بالإضافة إلى قادة جيوش من دول العالم.

عقد هيكل يومئذ في فلوريدا اجتماعاً مع الأدميرال كوبر، الذي شارك شخصيّاً في اجتماع للجنة “الميكانيزم” في 7 أيلول، إلى جانب مورغان أورتاغوس، عقب لقائه رئيس الجمهوريّة في بعبدا، وبعد يومين من “ترحيب” الحكومة بخطّة الجيش اللبنانيّ لحصر السلاح بيد الدولة الذي أبدى كوبر بعده ارتياحه لعمل الجيش “الحثيث”. ثمّ أعلن البنتاغون رصد رزمة ماليّة لدعم الجيش بقيمة 14.2 مليون دولار، اعتُبرت الكبرى على مستوى دعم الجيش اللبنانيّ.

لاحقاً، وفي اجتماع لـ “الميكانيزم” في 29 تشرين الأوّل، بمشاركة رئيس اللجنة الجديد جوزف كيلرفيلد، أشاد الأخير في بيان صادر عن السفارة الأميركيّة “باحترافيّة الجيش اللبنانيّ وانضباطه والتزامه، وهذا جدير بالملاحظة. لقد شاهدته ينفّذ مجموعة واسعة من العمليّات، وصولاً إلى تنفيذ عمليّات معقّدة لتحديد موقع منشأة تحت الأرض، يُعتقد أنّها كانت تستخدمها جهات خبيثة، وتفكيكها وتحييدها. يعكس أداؤه هذا قوّته وعزيمته الراسخة لتأمين مستقبل وطنه”.

عَلمِ “أساس” أنّ زيارة قائد الجيش للولايات المتّحدة الأميركيّة كانت لثلاثة أيّام فقط، من ضمنها يومين مخصصيّن للقاءات سياسيّة وعسكريّة، إضافة إلى حفل استقبال في السفارة اللبنانيّة في واشنطن كان يُفترض أن يُشارك فيه العديد من المسؤولين الأميركيّين. لكن بعد ظهر الإثنين تبلّغ هيكل إلغاء جميع المواعيد مع المسؤولين الأميركيّين، وكان من المفترض أن يغادر أمس إلى واشنطن.

تؤكّد المعطيات أنّ “الزيارة أتت بدعوة رسميّة من الجانب الأميركيّ، وقد أعدّ قائد الجيش مفاصلها الأساسيّة لجهة التقدّم الحاصل في تنفيذ خطّة الجيش في جنوب الليطاني، والعوائق التي تعترضها، وسبل دعم الجيش بوصفه حاجة ملحّة للتمكّن من تنفيذ خطّته على كامل مساحة لبنان”.

يقول مطّلعون إنّه “لا يمكن لأيّ قائد جيش وطنيّ في موقع العماد هيكل أن يتصرّف خلاف ما يقوم به، ويأتمر أساساً بقرارات السلطة السياسيّة، سيّما أنّ الانتهاكات الإسرائيليّة أشعلت أيضاً غضب قوّات “اليونيفيل”، وبالوقائع والأرقام أطاحت إسرائيل باتّفاق وقف الأعمال العدائيّة، وكأنّه غير موجود، وثبّتت واقع احتلال لا أحد قادر على التنبّؤ بنهايته”.
تفيد المعلومات بأنّ أحد عوامل النفور بين الموفدة السابقة إلى لبنان مورغان أورتاغوس وقائد الجيش اعتراضها على استخدام الأخير عبارة جيش العدوّ الاسرائيليّ

الاشتباك الأوّل!

عَكَس تعليق السناتور الأميركيّ ليندسي غراهام عبر حسابه على منصّة “إكس” الدوافع الحقيقيّة للفيتو الأميركيّ على العماد هيكل، وهي “إشارته إلى إسرائيل على أنّها عدوّ، وجهوده الضعيفة شبه المعدومة لنزع سلاح “الحزب”، وهو ما يُمثِّل نكسة كبيرة لجهود دفع لبنان إلى الأمام، وهذا المزيج يجعل من الجيش اللبناني استثماراً غير جيّد لأميركا”، وقد لاقى بذلك العديد من أعضاء الكونغرس الذين لوّح بعضهم بوقف المساعدات المرصودة للجيش.

تفيد المعلومات في هذا السياق بأنّ أحد عوامل النفور بين الموفدة السابقة إلى لبنان مورغان أورتاغوس وقائد الجيش اعتراضها على استخدام الأخير عبارة جيش العدوّ الاسرائيليّ (IEA)، فيما يبدي الجانب الأميركيّ إصراراً على استخدام الجيش اللبنانيّ في بياناته عبارة IDA، أي جيش الدفاع الإسرائيليّ، وهذا ما كان يصرّ عليه قائد الجيش في كلّ البيانات الصادرة عن القيادة العسكريّة.

كانت هذه نقطة البداية تراكمت بعدها المآخذ الأميركيّة على الجيش بسبب ما اعتُبر “تقاعساً” عن القيام ببعض المهمّات كتفتيش منازل مدنيّين، مع تحريض من جانب زائرين لبنانيّين و”لوبي” لبنانيّ-أميركيّ “اشتغل” بانتظام لما يقول إنّه كشف للموقف الحقيقيّ لرئيس الجمهوريّة الذي يقدّم مؤازرة واضحة لـ”الحزب” بحجّة الخوف من الحرب الأهليّة.

يبدو، وفق المعلومات، بأن جهات في الإدارة الاميركية تبدي “حساسية عالية حيال تعاطي الجيش اللبناني مع إسرائيل، بوصفها عدو، فيما تمويل الجيش الأساسي يأتي من الولايات المتحدة الاميركية الحليف الأول لإسرائيل. كما أن هذه الجهات تنتقد السلطة القائمة لتعاطيها الحيادي تجاه الحزب، الذي يُصنّف بالنسبة لجزء من اللبنانيين كعدو في الداخل، وبالمقابل ترصد رئيس الجمهورية يعطي أوامره إلى الجيش بالتصدي للتوغلات الإسرائيلية التي تهدف للقضاء على الحزب”.

تقرّ مصادر سياسيّة ربطاً بالأداء الأميركيّ منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار الذي يُنهي عامه الأوّل في 26 الجاري بأنّه “كان هناك دوماً تمايز بين المستوى السياسيّ والمستوى العسكريّ، فلجنة “الميكانيزم” وتقارير القيادة المركزيّة الأميركيّة (CENTCOM) والضبّاط الأميركيّون داخل اللجنة يشهدون على احترافيّة الجيش والتزامه بنود اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة وعمله في منطقة جنوب الليطاني بجهوزيّة عالية تتوافق مع إمكاناته المحدودة. في المقابل، كان المستوى السياسيّ عبر حركة الوفود أو النقاشات الداخليّة يوحي بعكس ذلك، حتّى إنّه كان هناك تضارب أميركيّ في المواقف وتقويم أداء السلطة السياسيّة والجيش. الموفدون الأميركيون أنفسهم كانوا يعكسون هذا التضارب لجهة الثناء أو الاعتراض مع تمايز واضح في سقف الكلام السياسيّ”.

اترك تعليق