مرحلة خطف الأنفاس: “الحزب” لن يردّ

يتصرّف المسؤولون اللبنانيّون على أساس أن لا سقف للتصعيد الإسرائيليّ، بما في ذلك اغتيال قادة مدنيّين في “الحزب”، وبأيّ بقعة قد يوجدون فيها. لا أحد قادر على توقّع حجم التصعيد الإسرائيليّ. لكنّ هناك استبعاداً كبيراً لحرب مماثلة لما حصل في أيلول الماضي، وانتهى، نظريّاً، بتوقيع اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة في 26 تشرين الثاني، الذي لا تزال إسرائيل “تحصد من خيراته” اغتيالات وقضم أراضٍ وتفجير منازل ومنشآت وتكريس منطقة عازلة مع “كارت بلانش” أميركيّ لتصفية قادة “الحزب”، من أكبرهم إلى أصغرهم.

أخطر ما يمكن أن يُترجم على مستوى التصعيد الإسرائيلي الذي يرتفع منسوبه بشكل ملحوظ، هو مساواة العدوّ بين القادة العسكريّين والمدنيّين في “الحزب”، وليس فقط إعادة الضاحية إلى مسرح الهجمات الإسرائيليّة، وهو التطوّر الذي وصفه الرئيس نبيه برّي بـ”الشديد الخطورة، وهو ما يعني أن لا ضمانات لحماية العاصمة وضاحيتها”.

خارطة للتّصفية؟

نَشر مركز الأبحاث والتعليم الإسرائيليّ ALMA خارطة لهيكليّة القادة في “الحزب”، وعلى رأسهم أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم، رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، الذي تجزم كلّ المعطيات أنّه لم يعد يتولّى نفس حجم المهمّات السابقة التي كان مولجاً بها، رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمّد رعد، رئيس المجلس التنفيذيّ الشيخ علي دعموش، رئيس المجلس السياسيّ إبراهيم أمين السيّد، الشيخ محمّد يزبك، مع وضع شارة حمراء X على صورة القياديّ هيثم الطبطبائي وعبارة eliminated.

يُعدّ ذلك انعكاساً حقيقيّاً لحقيقة التفكير الإسرائيليّ الذي لا يفرّق بين عسكريّ وسياسيّ أو مدنيّ مرتبط بـ”الحزب”. سبق أن كرّست إسرائيل إجرامها وانتهاكها لكلّ المواثيق الدوليّة بتقصّد سحق عائلات جنوبيّة بأكملها، وباغتيال مسؤول الإعلام السابق في “الحزب” الحاج محمّد عفيف مع فريق عمله في 17 تشرين الثاني 2024 في منطقة رأس النبع.
يثير الموفدون الأوروبيّون مع الجانب اللبنانيّ الرسميّ احتمال تولّي قوّة أوروبيّة مهامّ حفظ السلام في الجنوب

لا حرب ولكن

الستاتيكو الراهن هو الآتي:

– استبعاد لاحتمال ردّ “الحزب” على اغتيال القياديّ هيثم الطبطبائي. تفيد المعلومات بأنّ أولويّة “الحزب” تكمن دوماً في ملء الشغور الذي يخلفه استشهاد أيّ قياديّ، وخصوصاً في المراكز الأمنيّة الحسّاسة، من ضمن “الإبقاء على جهوزيّة التعافي”. فيما قيام “الحزب” بأيّ ردّ فعل من جنوب الليطاني هو مستبعَد تماماً اليوم، وفق مصادر أمنيّة، باعتبار أنّ المنطقة “منطقة عسكريّة – دوليّة”، السيطرة عليها مُحكمة من جانب الجيش اللبنانيّ و”الميكانيزم” و”اليونيفيل”. نقطة ضعفها الوحيدة بالنسبة لهؤلاء هي عدم وضوح خارطة ما بقي من مواقع عسكريّة لـ”الحزب” أو مخازن أسلحة، والصعوبة اللوجستيّة للوصول إلى عدد منها، حين تتوافر معطيات عن رصدها كـ”أهداف مشبوهة”.

الحزب

ما يمكن أن يحصل، في أسوأ السيناريوهات، أن يتقدّم العدوّ الإسرائيليّ برّاً، جنوباً وبقاعاً، بما في ذلك تجاوز المراكز العسكريّة للجيش، وفرض أمر واقع لممارسة ضغوط قصوى على السلطة اللبنانيّة.

– غياب ردّ أميركيّ – إسرائيليّ حتّى الآن على مبادرة رئيس الجمهوريّة جوزف عون الخماسيّة، وطرف خيطها الأوّل جهوزيّة الجيش لتسلّم المواقع المحتلّة من قبل إسرائيل في جنوب لبنان، توازياً مع قيام إسرائيل بالردّ عبر توسيع دائرة التدمير والاغتيالات وصولاً إلى الضاحية الجنوبيّة. في المقابل، تؤكّد المعلومات قيام رئيس الجمهوريّة بسلسلة اتّصالات دوليّة في كلّ الاتّجاهات لوضع مبادرة التفاوض قيد التداول الجدّيّ، والتنفيذ إن أمكن الأمر.
جعجع: لِيُلاحق الجيش “الحزب” كما يُلاحق تجّار المخدّرات

– محاولة القاهرة “صيانة” المبادرة المصريّة، التي أطلقها قبل أسابيع رئيس الاستخبارات المصريّ اللواء حسن رشاد، من خلال زيارة وزير الخارجيّة المصريّ بدر عبدالعاطي أمس لبيروت، بعد لقاء أجراه مع نظيره السعوديّ الأمير فيصل بن فرحان خلال قمّة العشرين في جوهانسبورغ. في هذا الوقت تجزم مصادر رسميّة لـ”أساس” أنّه “لم نلمس في الفترة الماضية متابعة جدّيّة لهذه المبادرة دوليّاً، ولا أيضاً اهتماماً دوليّاً بالمبادرة التي أطلقها رئيس الجمهوريّة على دفعات في شأن التفاوض مع إسرائيل، برعاية أمميّة أو أميركيّة أو عربيّة. هذا مع العلم أنّ لبّ مبادرة القاهرة يكمن في وقف التصعيد أوّلاً، والتزام الحكومة مهمّة نزع السلاح، لكنّ إسرائيل اشتغلت على موجة مختلفة تماماً”.

– أحد أخطر الاستحقاقات التي يواجهها الداخل اللبنانيّ هو بدء تنفيذ القرار الدوليّ 2790 الذي قضى بتخفيض قوّات “اليونيفيل” عديدها، وسحب أعتدتها وتفكيك منشآتها تدريجاً، والتزام تقليص موازنتها، تمهيداً للانسحاب النهائيّ قبل نهاية العام المقبل.

بالتأكيد، لا تزال الاتّصالات جارية إمّا لتمديد استثنائيّ لـ”اليونيفيل”، أو الاستناد إلى أحد بنود القرار الدوليّ الذي يمكن من خلاله “تبرير” بقاء قوّات دوليّة أوروبيّة، بحجم محدّد ومهامّ محدّدة، وفق ما ترتئيه الأمانة العامّة للأمم المتّحدة، ضمن سياق ما سُمّي في القرار “الخيارات المستقبليّة لتنفيذ القرار 1701، بعد انسحاب “اليونيفيل”، بما في ذلك تقديم المساعدة في ما يتعلّق بالأمن ومراقبة الخطّ الأزرق، وسبل تعزيز الدعم لإعادة انتشار القوّات المسلّحة اللبنانيّة جنوب نهر الليطاني”.

من هنا تماماً يثير الموفدون الأوروبيّون مع الجانب اللبنانيّ الرسميّ احتمال تولّي قوّة أوروبيّة مهامّ حفظ السلام في الجنوب، وفق أطر معيّنة، إلى حين تسلّم الجيش نهائيّاً. لكن حتّى الساعة، الأمر كلامٌ وحسب. سيناريو انسحاب “اليونيفيل” قبل انسحاب إسرائيل قائم، وهنا تكمن خطورة شديدة بأن تتحوّل القوى العسكريّة اللبنانيّة إلى “حارس” للاحتلال الإسرائيليّ.
نَشر مركز الأبحاث والتعليم الإسرائيليّ ALMA خارطة لهيكليّة القادة في “الحزب”، وعلى رأسهم أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم

“القوّات” والعهد

على جانب آخر، يتعرّض العهد، رئاسة جمهوريّة وحكومة، خلال معركته لإرساء التفاوض وفق لغة وحيدة للتعاطي مع إسرائيل، إلى “عرقلة ممنهجة” من داخل الحكومة يتزعّمها، وفق أوساط رسميّة، “القوّات اللبنانيّة”.

قدّم نوّاب “القوّات” قبل أيّام سؤالاً إلى الحكومة عن تنفيذ نزع السلاح غير الشرعيّ، ملوّحين بتحويل السؤال إلى جواب بسبب التقاعس عن تنفيذ القرار الحكوميّ.

أعلن رئيس الحزب سمير جعجع ووزير الخارجيّة يوسف رجّي ومسؤولون قوّاتيّون لاحقاً ضرورة صدور موقف صريح من الحكومة حيال “عدم التزام “الحزب” تطبيق القرارات الدوليّة وقرار وقف إطلاق النار، وطرح تنفيذ قرارَيْ الحكومة في 5 و7 آب على بساط البحث في أوّل جلسة لمجلس الوزراء”.

اترك تعليق