الحرب المفتوحة ستؤخّر لبنان إقتصادياً 10 سنوات

في تقريره الاخير حول «التداعيات الاقتصادية العالمية للحرب الإقليمية في الشرق الأوسط»، سلّط معهد التمويل الدولي الضوء على التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمي لحرب أوسع نطاقاً وطويلة الأمد في الشرق الأوسط، معتمداً على سيناريوين لتقييم مدى تأثير الحرب على أسعار السلع الأساسية، واضطراب التجارة، والتضخم والنمو العالمي. ولفت التقرير الى ان الحرب بين إسرائيل وحماس، دفعت منطقة الشرق الأوسط التي تنتج 35% من نفط العالم و13% من الغاز الطبيعي، إلى حافة صراع أوسع نطاقاً مع احتمال ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض حجم التجارة العالمية. مشيراً الى ان الهجمات على السفن في البحر الأحمر، الذي يساهم في نقل 12% من التجارة العالمية، أدّت إلى تعطل تدفق البضائع والى تضاعف أسعار الشحن منذ نهاية العام 2023. وعلى الرغم من عدم حدوث انقطاع في إمدادات الطاقة بعد، إلا أن المخاطر آخذة في الارتفاع، وقد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وفقاً لتوقعات معهد التمويل الدولي الذي رجح بنسبة 30 في المئة حصول السيناريو المتشائم الذي يفترض تطور الصراع إلى حرب شاملة مع «حزب الله»، وبدرجة أقل مع إيران، مما قد يؤدي إلى تعطيل شحن النفط والغاز في مضيق هرمز. وبالتالي، سترتفع أسعار الطاقة وتؤدي الى ارتفاع الضغوط التضخمية والى ضعف النمو العالمي.

سيناريوان محتملان

يسعى معهد التمويل الدولي الى تقييم التأثيرات المحتملة للمرحلة الجديدة من الصراع بين اسرائيل وحماس، سواء على اقتصاد المنطقة أو على المستوى العالمي. ويعتمد في هذا الاطار، على سيناريوين:

– السيناريو الأساسي الذي يرجح حصوله بنسبة 70%، يفترض احتواء الصراع، حيث تنجح الضربات الغربية في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين بما فيه الكفاية، أو على الأقل، بما يكفي لرفع الكلفة على الحوثيين، مما من شأنه أن يسمح باستئناف التجارة عبر البحر الأحمر في الشهرين المقبلين. كما يفترض هذا السيناريو استمرار الاشتباكات المحدودة بين إسرائيل و»حزب الله». على ان تسفر أخيراً الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في منع المزيد من التصعيد في صراع الطرفين.

– السيناريو المتشائم الذي يرجح حصوله بنسبة 30%، يفترض ان لا تتمكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من ردع الحوثيين بينما تستمرّ هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر أو تشتدّ. يتطور الصراع بين إسرائيل و»حزب الله» إلى حرب شاملة، بما يشمل إطلاق الصواريخ والقذائف على المدن والاهداف الاستراتيجية الإسرائيلية يقابله قصف إسرائيلي عنيف على المدن الكبرى في لبنان. وقد يستهدف الحوثيون أيضاً ناقلات النفط والمواد الخام، مثل خام الحديد والحبوب، مما يؤثر بشكل كبير على أسعار السلع الأساسية. ورغم ان المسؤولين الإيرانيين ذكروا مراراً وتكراراً أن إيران ترغب في تجنب حرب إقليمية أوسع، إلا ان تطور الحرب في غزة ولبنان، يمكن أن يجرّ إيران إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل و/أو الولايات المتحدة. مما قد يؤدي إلى تعطيل الشحن في مضيق هرمز، مما من شأنه أن يعيق إمدادات النفط.

تداعيات تطور الحرب بين إسرائيل ولبنان كارثية!

في حديث خاص لـ»نداء الوطن»، رأى كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي د. غربيس إيراديان انه وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة لاحتواء الأعمال العدائية، تزايدت مخاطر نشوب حرب واسعة النطاق بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع الأخيرة. معتبراً انه يمكن أن تمتد مثل هذه الحرب أيضاً إلى جبهات متعددة، بما في ذلك الاطراف الداعمة لإيران في سوريا والعراق والى تكثيف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وقال: لا تريد إيران أن ينخرط «حزب الله» في حرب واسعة النطاق لأنها تعتبره أحد أصول الردع القيّمة التابعة لها. ومع ذلك، هناك خطر ضئيل من إمكانية انجرار إيران إلى مواجهة كاملة مع إسرائيل وربما مع الولايات المتحدة.

أضاف: لا أحد في لبنان يريد الحرب. لكن قادة إسرائيل و»حزب الله» أشاروا إلى أنهم على استعداد لخوض الحرب إذا لزم الأمر. وفي حين أن ترسانة «حزب الله» (بما في ذلك إطلاق الصواريخ والقذائف على المدن الإسرائيلية والأهداف الاستراتيجية) يمكن أن تشل الاقتصاد الإسرائيلي لبضعة أشهر، فإن القصف الإسرائيلي المحتمل للمدن الكبرى في الجنوب والعاصمة بيروت من شأنه أن يدمر الاقتصاد اللبناني ويدمر القليل المتبقي من البنية التحتية بعد خمس سنوات من الكارثة الاقتصادية والمالية التي حلّت بالبلاد. وعلى عكس إسرائيل، لا يوجد في لبنان ملاجئ ضد القنابل، «وحتّى الملاجئ لن تكون ذات فائدة كبيرة ضد القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات التي قد تستخدمها إسرائيل. وبالتالي فإن الغارات الجوية الإسرائيلية يمكن أن تقتل الآلاف وتدمر بيروت».

واعتبر إيراديان ان التعافي من الخسارة الفادحة في رأس المال في لبنان بسبب الحرب، قد يستغرق أكثر من عقد من الزمن، مما يؤدي إلى مزيد من التأخير في التعافي الاقتصادي. ومن الممكن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مرة أخرى بنحو 20%، وينخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالدولار الأميركي إلى أقل من 17 مليار دولار، وسيستأنف سعر الصرف الموازي، الذي حافظ على استقراره في الأشهر السبعة الماضية، انخفاضه السريع مجدداً، وسيظل التضخم في خانة العشرات. وسيزداد الفقر، وسيسعى المزيد من المواطنين اللبنانيين إلى مغادرة البلاد بعد الحرب. في الخلاصة: لبنان سوف ينهار.

الإقتصاد العالمي

في ظل السيناريو الأساسي، وعلى صعيد الاقتصاد العالمي، توقع معهد التمويل الدولي أن يتراجع النمو العالمي من 3.1% في عام 2023 إلى 2.8% في عام 2024، وأن تستقرّ أسعار النفط والغاز الطبيعي عند مستوياتها الحالية حتى نهاية هذا العام، بسبب الانخفاض العالمي للطلب، زيادة إمدادات النفط والغاز من قبل الدول غير الأعضاء في أوبك +، وزيادة كبيرة في مستويات المخزون من النفط والغاز الطبيعي في منطقة اليورو.

أما في حال حصول السيناريو المتشائم، فتوقع المعهد أن ينخفض النمو العالمي إلى 2.4% في العام 2024. وفيما اشار الى صعوبة التنبؤ بحجم ومدة ارتفاع أسعار الطاقة، افترض أن ترتفع اسعار النفط والغاز الطبيعي بنسبة 40% في عام 2024، مما سيؤدي مباشرة الى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين إلى حدّ كبير ويخلق ضغوطاً تضخمية. بالاضافة الى ذلك، توقع تباطؤ نمو حجم التجارة العالمية إلى 0.8% (مقارنة مع 1.6% في السيناريو الأساسي) بسبب استمرار الهجمات على سفن الشحن، مما من شأنه أن يزيد التضخم أيضاً.

اترك تعليق