لهذه الأسباب احتجّت دمشق الآن على “الأبراج البريطانية”

من البديهي أنّ ضبط المناطق الحدودية المشتركة بين الدول الصديقة يتم بالتعاون والتنسيق بين الأجهزة المختصة في هذه الدول، لحماية الأمن القومي لكل دولةٍ، وهذا الأمر هو أولوية لديها، ثم يأتي بعد ذلك في سلم الأولويات منع التهريب على اختلافه (أشخاص، وأموال، ومحروقات)، وسوى ذلك، وكل دولة لا تلتزم بالتعاون مع دولةٍ أخرى جارةٍ لها لتأمين الحماية المشتركة بينهما، أو تسمح إحدى هذه الدول بأن تكون أراضيها ممرًا أو مقرًا يتهدد الأمن القومي لدولة جارةٍ، عندها قد تلجأ الأخيرة إلى استخدام القوة لحماية أمنها الوطني، وهذا ما أقدم عليه النظام التركي، الذي تحتل قواته أراضي سورية، بذريعة “حماية الأمن القومي التركي” من الخطر الإرهابي الذي “يتهدد وحدة الأراضي التركية وأمنها”، عبر المناطق الحدودية المشتركة بين سورية وتركيا، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

ad

وفي السياق، بالنسبة للبنان، فلا تربطه حدود برية مع دولةٍ صديقةٍ إلا مع سورية، كذلك تنظم العلاقة الثنائية بين البلدين “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” الموقعة من الجانبين في أيار 1991، وتشرف على تنفيذ أحكام هذه المعاهدة، الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني – السوري.
وتأتي في صلب المعاهدة المذكورة، والاتفاقيات المتممة لها (اتفاقية الدفاع والأمن أيلول 1991)، مسألة حماية الأمن القومي للبنان وسورية، وفق ما نص البند الثالث “لمعاهدة الأخوة”، وجاء فيه: “إن الترابط بين أمن البلدين يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وسورية لأمن لبنان في أي حال من الأحوال، وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه، لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته”.

غير أن الأحداث التي شهدتها المنطقة، خصوصًا الحرب الكونية على سورية، أثبتت أن الجانب اللبناني لم يلتزم كما يجب بـ”المعاهدة”، خصوصاً لناحية تطبيق البند الثالث، تحديدًا لجهة إيواء مطلوبين سوريين للأجهزة القضائية والأمنية السورية، مارسوا أنشطةً أمنيةً خطرةً على الأراضي اللبنانية، كالمشاركة في الهجوم على السرايا الحكومية في بيروت إثر اغتيال اللواء وسام الحسن، في العام 2012، ما ينزع عنهم صفة “اللجوء”، هذا على سبيل المثال.

ولا بد من الإشارة إلى أن المعاهدات الدولية تسمو على القوانين الوضعية، وتأتي بعد الدستور مباشرةً، من حيث الهرمية، لناحية سمو القوانين.

أما الطامة الكبرى اليوم، فهي إمعان بعض الجهات في لبنان، في استهداف الأمن القومي لسورية، من خلال أبراج المراقبة التي زرعتهم بريطانيا على الحدود اللبنانية – السورية، “لضبط الحدود المشتركة بين البلدين” منذ أكثر من عشر سنواتٍ، الأمر الذي احتجت عليه دمشق لدى وزارة الخارجية اللبنانية في الأيام القليلة الفائتة، وطلبت وزارة الخارجية السورية توضيحًا من نظريتها اللبنانية عن دور هذه الأبراج، الأمر الذي طرح تساؤلاتٍ لدى الأوساط اللبنانية عن توقيت الطلب السوري.

هنا تكشف مصادر عليمة أن “هذا الطلب جاء بعد ورود معلومات عن إقدام القوات الأميركية على تطوير هذه الأبراج، لتغطي مساحةً تصل بعمق 70 إلى 75 كلم داخل الأراضي السورية، وتلتقط أي بثٍ هوائيٍ لاسلكيٍ في هذا العمق، بالإضافة إلى تصوير أي جسمٍ يزيد طوله عن 80 سم، بينما كانت هذه الأبراج في السابق تغطي مساحةً تتراوح بين 10 إلى 15 كلم، قبل أن تطورها القوات الأميركية”، ودائمًا بحسب معلومات المصادر التي تؤكد أن هذا التطور الخطر في دور هذه الأبراج، يتهدد الأمن القومي السوري، ووجود القوات الروسية في سورية ايضًا، خصوصاً لجهة تحديد أماكن وجود شخصيات تُعدّ أهدافًا أميركيةً – “إسرائيلية”، لاستهدافها بالغارات الجوية.

“لذا لا بد من التفاهم بين الجيشين اللبناني والسوري على تشغيل هذه الأبراج، والاطلاع على نتائج هذا التشغيل”، بحسب رأي خبير في الشؤون العسكرية.

ويحذّر أن “في حال تلكأت الجهات المعنية في لبنان في رفع الخطر الأمني عن الأراضي السورية، قد تلجأ القوات السورية والروسية إلى تركيب أجهزة تشويش على الأبراج البريطانية، لضمان حماية الأمن القومي السوري، وللقوات الروسية المنتشرة في سورية”.

اترك تعليق