الحد الأدنى للأجور الى 20 مليوناً

بعد رفع الحكومة الحد الأدنى للأجور لموظفي القطاع العام من 150 دولاراً إلى 230 دولاراً شهرياً، والذي سيرتفع الى 400 دولار مع احتساب كلفة النقل وصفائح البنزين، كان لا بد من تصحيحٍ للأجور في القطاع الخاص. وللغاية، تعقد لجنة المؤشر اجتماعاً يوم الثلاثاء المقبل، فهل تم الاتفاق على قيمة الزيادة؟

بعد الزيادة التي لحقت بالقطاع العام، والتي رغم تواضعها جاءت أعلى مما يتقاضاه بعض الموظفين في القطاع الخاص، كان لا بد من تصحيح الخلل، خصوصا في ظل ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان والتي قارَبت ما كانت عليه قبل الأزمة وأحياناً تَخطّته. فيما لم تصل بعد الرواتب، أكان ذلك في القطاع العام او الخاص، الى ما كانت عليه قبل الازمة الّا في قلّة قليلة من المؤسسات الخاصة التي هي غالباً على صِلة بشركات أجنبية او يشكّل الخارج مصدر تمويلها بالفريش.

وبعدما كان وزير العمل مصطفى بيرم قد وَعدَ في نهاية شباط الماضي بزيادةٍ وازِنة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، تدخل في صلب الراتب، الى جانب إقرار زيادة بالمنح المدرسية، عُقدت الآمال على اجتماع لجنة المؤشر الذي كان مقرراً حينها للخروج بزيادة مُنصفة للقطاع الخاص، الا انّ الاجتماع أُلغي يومها بعد التطورات التي لحقت في موضوع زيادة الرواتب والاجور للقطاع العام من جهة والتعديلات التي اجراها المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي من جهة اخرى، والتي قضَت بتعديل الحد الاقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع ضمان المرض والامومة ليصبح ٤٥ مليون ليرة اي خمسة اضعاف الحد الادنى للاجور.
الى جانب هذه الاسباب ظهرَ خلاف جوهري يتعلق بالاتفاق على الزيادة التي ستطال الحد الادنى للاجور بين طرفي الانتاج: الاتحاد العمالي العام ممثّلاً العمال، والهيئات الاقتصادية ممثّلة أرباب العمل. فرئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر طالبَ بتحديد الحد الادنى للاجور بـ 50 مليوناً، بينما اقترحت الهيئات رَفعه الى 15 مليون ليرة. وقد عمل الوزير بيرم على تقريب وجهات النظر بينهما. لكن عند نقاط الخلاف هذه جُمّد ملف رفع الحد الأدنى للاجور في القطاع الخاص، قبل ان يوجّه وزير العمل مطصفى بيرم دعوة لانعقاد لجنة المؤشر في الاولى والنصف من يوم الثلاثاء المقبل الواقع فيه 19 الجاري في مكتبه في الوزارة للبحث في ملف رفع الحد الادنى للاجور في القطاع الخاص.

الاعلان عن اجتماع لجنة المؤشر أتى على لسان وزير العمل مصطفى بيرم إثر اجتماع عُقد في السرايا برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بحثَ في موضوع الزيادة للقطاع الخاص، شاركَ فيه رئيس الاتحاد العمالي العام بشاره الاسمر ورئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير… وقال بيرم بعد اللقاء: «الإتفاق خلال الاجتماع كان على متابعة النقاش المفتوح الذي يتم منذ فترة، وكنّا قد أعلنّا أنه ستكون هناك خلال شهر رمضان زيادة للقطاع الخاص، وتم التوافق على المبادىء والنقاط الرئيسية التي سنعلنها ونناقشها في لجنة المؤشر يوم الثلاثاء المقبل لتشكّل بشارة جديدة للقطاع الخاص بزيادة جيدة للرواتب وللمنح المدرسية». اضاف: «سلّة الزيادات ستكون جيدة وهذا امر مهم جدا، كما انّ الاجتماعات مفتوحة وتتم حوارات ثنائية بين الاتحاد العمالي العام والهيئات الإقتصادية ويتمّ وَضعي في اجوائها، كما أننا نقوم بلقاءات أيضاً في هذا الشأن، وعندما تختمر الامور سنُحيلها الى لجنة المؤشر للمحافظة على الأداء المؤسساتي، وسنرفعها فوراً الى مجلس شورى الدولة والحكومة لتقرّها بمرسوم. وهي ستكون مناسبة في شهر رمضان والأعياد لدى كل الطوائف، مما يعطي رسالة إلى القطاع الخاص والعمال بأننا إلى جانبهم ونراعي أصحاب المصالح والمؤسسات».
وفي السياق، أكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر لـ«الجمهورية» انّ الاتفاق بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام حول رفع الحد الادنى للاجور في القطاع الخاص قد تَمّ، وسيتم الاعلان عنه يوم الثلاثاء المقبل في اجتماع لجنة المؤشر. وإذ رفض الكشف عن الحد الادنى المتّفق عليه، أكد انّ هناك بعض التفاصيل الصغيرة يعمل على تذليلها ليكون الاتفاق جاهزاً يوم الثلاثاء، كما سيتم الاعلان عن منح مدرسية جديدة.

ما الحد الأدنى للأجور المُقترح؟
الا ان مصادر نقابية كشفت الـ«الجمهورية» ان الاتفاق حول حد ادنى للاجور في القطاع الخاص قد أنجز، ويوم الثلاثاء سيتمّ الاعلان عن رَفعه في القطاع الخاص الى 20 مليون ليرة، أي بما يوازي الـ230 دولاراً وربما اقل، لكن ليس اقل من 18 مليوناً. كذلك تم التوافق على مُضاعفة المنح المدرسية من 6 ملايين ليرة عن التلميذ الى 12 مليون ليرة. واكدت المصادر انّ الاتفاقية هذه ستكون تصاعدية، أي ما ان تهدأ جبهة الجنوب حتى يُعاد ملف الاجور الى الدرس لتحسينه، وتحسين تالياً معيشة العاملين.

هل عادت الاجور الى ما كانت عليه قبل الازمة؟
من جهة اخرى، لطالما كانت رواتب القطاع الخاص مرآة لنمو الاقتصاد وتسبق رواتب القطاع العام بأشواط، الّا انّ الصورة هذه تبدّلت بعد الازمة، وهناك تناقض اليوم في التقديرات المتعلقة بنسبة عودة رواتب القطاع الخاص الى ما كانت عليه قبل الازمة. فهل عادت فعلاً الى سابق عهدها ام انها لا تزال دون الرواتب السابقة؟
في السياق، يقول الباحث في الدولية للمعلومات وعضو لجنة المؤشر محمد شمس الدين لـ»الجمهورية» انّ هناك تفاوتاً برواتب القطاع الخاص باختلاف المؤسسات وليس صحيحاً انها عادت كلها الى سابق عهدها، فمنها ما لم يَتخطّ بعد نسبة 25% مما كان يُدفع قبل الأزمة. في المقابل بعض مؤسسات القطاع الخاص، والتي هي على صِلة بمؤسسات في الخارج، لا تزال تقبض الرواتب بالدولار كما في السابق بحيث لم يتغير أي شيء على موظفيها، امّا العدد الاكبر من مؤسسات القطاع الخاص فيدفع رواتب بنسبة تتراوح ما بين 30 الى 50% من الرواتب التي كان معمولاً بها قبل الأزمة.
ولدى سؤاله عن مقارنة قيمة الرواتب التي تدفع اليوم مع كلفة المعيشة في لبنان؟ أكد شمس الدين انّ بعض الاكلاف زادت عما كانت عليه قبل الأزمة. فعلى سبيل المثال ووفق دراسةٍ للدولية للمعلومات عن كلفة صحن الفتوش لهذا العام مقارنةً مع العام الماضي، يتبيّن انّ كلفته العام الماضي بلغت 174 الف ليرة في وقت كان سعر الدولار 110 آلاف ليرة، اي ما يوازي 1.60 دولار، بينما ارتفعت كلفته هذا العام الى 288 الفاً في حين تراجَع سعر الدولار الى 89500 ليرة. وعليه، فإنّ كلفة صحن الفتوش ارتفعت الى 3.02 دولارات أي تَضاعَف ثمنه.

وتابع: رغم ان الرواتب اليوم لا تمثّل أكثر من 25 الى 50% مما كانت عليه قبل الأزمة، الا انّ كل الخدمات والاسعار ارتفعت إمّا الى المستوى الذي كانت عليه قبل تشرين 2019 أو أعلى بقليل او أدنى بقليل. ففي مقارنةٍ بسيطة، كان ثمَن غالون المياه الكبير (19 ليتراً) يتراوح قبل الأزمة ما بين 4000 و 5000 ليرة أي ما يوازي 3 الى 4 دولارات، أمّا اليوم فأصبح ثمنه 250 الفاً اي ما يوازي 2.80$ ما يعني انّ ثمنه عاد كما في السابق. كذلك الاشتراك الرسمي لسعر عيار المياه كان قبل الازمة 200 دولار بينما ندفع اليوم ثمنه 150 دولاراً، اي اقل بقليل عما كان عليه في السابق. ويمكن القول ان غالبية الخدمات والرسوم التي تدفع للدولة لا تزال أقل بنحو 25% عمّا كانت عليه في السابق، باستثناء فاتورة الكهرباء، بينما أسعار السلع والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص عادت الى ما كانت عليه، واحياناً أكثر.

اترك تعليق