غادة عون “تؤدّب” المجلس التأديبي!

لأسباب عدّة جرى الربط، من أكثر من جهة، بين مثول النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أمس أمام الهيئة العليا للتأديب الناظرة في استئناف قرار فصلها من الخدمة، وبين “دورٍ ما” لمدّعي عام التمييز بالتكليف القاضي محمد الحجّار. فعليّاً، المساران لا يلتقيان، والأهمّ أنّ الحدث كان في مكان آخر، إذ فرملت عون مسار الجلسة بتقدّمها بطلب ردّ القاضي سهيل عبّود.
ad

تفيد معطيات “أساس” أنّ طلب الردّ استند إلى واقع مثول القاضية غادة عون أمام الهيئة العليا للتأديب المؤلّفة من خمسة أعضاء التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي عبود الذي هو نفسه عيّن أعضاء المجلس التأديبي الذي أصدر الحكم بحقّها في أيار 2023، ولأنّ مجلس القضاء الأعلى عيّن أعضاء الهيئة العليا الأربعة، وهم القضاة: المقرّر ميراي حداد، عفيف الحكيم، داني شبلي، حبيب مزهر.

عمليّاً، شلّت عون المجلس التأديبي وأخّرت قرار الهيئة العليا ربّما إلى ما بعد إحالتها إلى التقاعد في 1 آذار من العام المقبل. فطلب الردّ يستدعي اجتماع مجلس القضاء الأعلى بنصاب ستّة أعضاء، ولأنّ القاضي عبود مطلوب ردّه لا يستطيع الاجتماع مع بقيّة الأعضاء الخمسة. إذاً لا نصاب لاجتماعه لبتّ طلب الردّ. أما الجلسة المقبلة فحُدّد موعدها في 15 نيسان المقبل.

من جهة أخرى، تجزم مصادر قضائية لـ “أساس” أن لا دور قانونياً لمدّعي عام التمييز جمال الحجار في ما يتعلّق بجميع مراحل إحالة أيّ قاضٍ أمام المجلس التأديبي. لكنّ مكمن الربط الوحيد تجلّى في محاولة إحداث البعض مقارنة بين العلاقة المضطربة التي حَكَمت مسار التعاطي بين مدّعي عامّ التمييز السابق غسان عويدات والقاضية غادة عون، خصوصاً في ما يتعلّق بملفّ رياض سلامة والمصارف والدفاع عن صلاحيّاتها في الملاحقة القضائية وتوقيف المرتكبين، وبين مقاربة “الريّس جمال” الأكثر هدوءاً واستيعاباً.

تضيف المصادر: “أتى الربط أيضاً على خلفيّة القرار الذي كان أصدره الحجار في 4 أيار الماضي، من موقعه كرئيس المجلس التأديبي، إلى جانب العضوين أيمن عويدات وميرنا بيضا، بفصل القاضية عون من الخدمة بناءً على دعاوى قُدّمت ضدّها أمام التفتيش القضائي، والذي قدّمت طعناً به أمام الهيئة العليا للتأديب”، مشيرة إلى أن “لا دور لمدّعي عامّ التمييز في هذه القضية، ولا مونة له حتى على قضاة الهيئة العليا للتأديب، وليس أصلاً القاضي الحجار من طينة القضاة الذين يمارسون ضغوطاً من مواقعهم على قضاة آخرين أو أيّ ملفّات قضائية”.

التوقيت

لكن ما هو سرّ توقيت تحريك ملفّ غادة عون أمام المجلس التأديبي الآن؟

بعد تقديم المحامية باسكال فهد، بوكالتها عن القاضية غادة عون، طعناً بقرار المجلس التأديبي في 16 أيار الماضي، عيّن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضية ميراي حداد مقرّراً لدراسة الملفّ ورفع تقريرها إلى الهيئة العليا للتأديب.

لكنّ القاضية حداد، المحسوبة على الخطّ العوني، تأخّرت في رفع التقرير نحو عشرة أشهر. وبعدما قامت بالمطلوب منها عيّن الرئيس سهيل عبود موعداً في 22 آذار لجلسة الاستماع إلى القاضية عون.

لكنّ “المطلوب منها” تُرجم بإيعاز مباشر إليها بالالتزام بتطبيق المادّة 86 من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تنصّ على أن “يضع الرئيس تقريراً أو يكلّف أحد عضوَيْ المجلس بذلك. يجري المقرّر التحقيقات اللازمة ويستمع إلى صاحب العلاقة ويتلقّى إفادات الشهود بعد اليمين ويرفع تقريره إلى المجلس بلا إبطاء“.

يعرف القاضي عبّود مليّاً الأخطاء القانونية التي ترتكبها القاضية غادة عون في معرض متابعتها لملفّ حاكم مصرف لبنان السابق والمصارف
تستبعد مصادر قضائية “صدور قرار بالطرد النهائي من الخدمة في حال بتّ الملفّ قبل إحالتها إلى التقاعد، بل عقوبة مخفّفة على الأرجح“.

عبّود وعون… وعون

تشير المصادر في هذا السياق إلى أنّ “رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي عبود، وعلى الرغم من الالتباسات التي حَكَمت موقعه ودوره من قضية غادة عون و”شطحاتها” القضائية، فإنّ العدلية تقرّ بإدارته لهذا الملفّ بحيادية ونزاهة بعيداً عن أيّ اعتبارات سياسية أو شخصانية، خصوصاً أنّ عون محسوبة على الرئيس السابق ميشال عون الذي انقلب ضدّ القاضي عبود وأعاق صدور التشكيلات القضائية”.

يُذكّر متابعون في هذا السياق بالبيان الصادر عن القاضي عبود في شباط الماضي الذي دعا فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي إلى “التراجع عن قرارَيهما اللذين يمسّان بمبدأي فصل السلطات واستقلال السلطة القضائية”، وذلك بعد الكتاب الذي وجّهه ميقاتي إلى وزير الداخلية “لاتّخاذ إجراءات تجيزها القوانين في شأن المخالفات المنسوبة إلى القاضية عون، واتّخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون والمنع من تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة”، وذلك ربطاً بالتحقيقات التي فتحتها القاضية عون ضدّ بعض المصارف ورياض سلامة.

يومها ردّ ميقاتي الكرة سريعاً إلى ملعب عبود متّهماً مجلس القضاء الأعلى “بالتفرّج على تصرّفات بعض القضاة لأهداف سياسية، وعدم تحرّكه إزاء إضراب المصارف، ثمّ استفاق القضاة فجأة على صلاحيّاتهم”.

تجزم مصادر قضائية لـ “أساس” أن لا دور قانونياً لمدّعي عام التمييز جمال الحجار في ما يتعلّق بجميع مراحل إحالة أيّ قاضٍ أمام المجلس التأديبي

عبّود: لا صفقة مع بكركي

عمليّاً، يعرف القاضي عبّود مليّاً الأخطاء القانونية التي ترتكبها القاضية عون في معرض متابعتها لملفّ حاكم مصرف لبنان السابق والمصارف وعدم تبلّغها طلبات الردّ بحقّها ومخالفتها لموجب التحفّظ، و”توّجتها” بالتقدّم بطلب ردّ القاضي عبود، ومع ذلك أقرّ دوماً أنّ الخطأ لا يُقابَل بخطأ، خصوصاً من جانب السلطة السياسية.

سبق للقاضي عبود أن قال لموقع “أساس”: “أنا أخضع للكتاب ولا يحقّ لي إبداء رأي لأنّني أنظر في الملفّ التأديبي لعون أمام المجلس التأديبي والتفتيش القضائي”، نافياً بشكل قاطع أيّ اتّهام له “بالإعداد لصفقة بين بكركي وميقاتي في شأن وقف الملاحقة القضائية للمصارف”.

يُشار إلى أنّ الصرف من الخدمة هي العقوبة الأقسى بعد العزل والحرمان من التعويض. وهي السادسة في ترتيب العقوبات بعد التنبيه واللوم وتأخير الترقية وإنزال الدرجة والتوقّف عن العمل.

اترك تعليق