هل تكون “الخماسية” هي الضامنة للحوار؟

لم تطرق الأعياد أبواب اللبنانيين، وغابت الفرحة عن البيوت المثقلة بهموم الرغيف والدواء وقسط المدرسة، وزادت جراح الجنوب النازفة بدماء الشباب، من معاناة الناس الغلابى، الذي فقد بعضهم أموالهم في المصارف، فيما تهدمت بيوت البعض الآخر بالقصف الإسرائيلي الهمجي على القرى الحدودية الآمنة.

ورغم التدهور المستمر في الأوضاع العامة، وتزايد المخاطر المحدقة بالجنوب، بل والتي تهدد لبنان كله، مازالت القيادات السياسية تتلهَّى بلعبة الخلافات والنكايات، وتتبادل أدوار التعطيل والتفشيل للمبادرات الداخلية والخارجية، وكأن البلد مازال يتحمل ترف تضييع الوقت في زمن الإنهيارات المتلاحقة، والعزلة العربية والدولية الخانقة، والعجز المتمادي في إنهاء الشغور الرئاسي، وفتح أبواب معالجات الأزمات المتراكمة.

الحوار المسيحي ـ المسيحي في بكركي سقط في مطبات الخلافات الحزبية، والحساسيات الشخصية. مساعي التشاور النيابي إصطدمت بجبل جليد إسمه الثنائي الشيعي. مجموعات المعارضة ما زالت تشتتها، وجماعة التغييريين على ضياعهم، وسفراء الخماسية يكتفون بإبداء النصائح للمريض اللبناني، دون الخوض في العمليات الجراحية الضرورية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

لا حل لعقدة الثقة بالحوار المطلوب إلا بتدخل سفراء الخماسية بشكل مباشر بتقديم الضمانات اللازمة لخريطة الحوار في جميع مراحلها، والتي يجب أن تصل نهايتها إلى إنتخاب رئيس الجمهورية، في جلسات متتالية، وضمن فترة زمنية محددة.

لقد أثبتت التجارب أن الحوارات اللبنانية ــ اللبنانية لا توصل إلى النتائج المتوخاة، إذا لم تكن تجري برعاية خارجية، عربية أو دولية، وغالباً الإثنين معاً، كما حصل في إتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب السوداء، وكما حدث في إتفاق الدوحة الذي أنقذ البلد من حرب داخلية ظهرت شرارتها الأولى في بيروت.

في ظل عجز كلّ من فريقي المعارضة والممانعة عن إيصال مرشح كل واحد منهما إلى قصر بعبدا، فإن الحوار بين الفريقين أصبح ضرورة لا بد منها، إذا كنا نبحث عن صيغة لا غالب ولا مغلوب، والتوصل إلى تسوية وطنية متوازنة، تضمن ردحاً من الإستقرار الداخلي، الذي يُعتبر حجر الزاوية في النهوض من مستنقع الأزمات الراهنة.

ولكن هذه الجولة من الحوارات قد تلحق بسابقاتها التي جرت في مجلس النواب وقصر بعبدا، إذا لم تتوفر لها الرعاية الخارجية، أي من خلال اللجنة الخماسية، وما يمكن أن توفره من ضمانات لكل الأفرقاء، بأن ما سيتم التوصل إليه من نتائج لن تكون لمصلحة فريق ضد آخر، بقدر ما ستكون صيغة متوازنة، وتشكل المدخل الأساس لعودة الدولة، وعودة الجميع إلى حضن الدولة.
ولعل أولى الخطوات الممهدة للحوار الإنقاذي تكون بفك إرتباط الإستحقاق الرئاسي بحرب غزة، والبحث الجدّي بتطبيق مندرجات القرار الدولي ١٧٠١، وتبريد جبهة الجنوب وإبعاد شبح الحرب المفتوحة عن البلد، ووضع مصلحة لبنان أولاً وفوق كل الشعارات والخطابات الأخرى.

فهل تكون اللجنة الخماسية هي الضامنة لنتائج الحوار بين اللبنانيين؟

اترك تعليق