“كلفة” الهجرة لشخص واحد !!

تعد الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية عموما ولبنانية خصوصا، لا بل تعتبر مشكلة عابرة للحدود، لأنها تتسبب في العديد من التحديات والمشكلات التي تؤثر في المجتمعات والدول بشكل عام، حيث تشمل العبور السري أو استخدام وثائق مزورة للسفر عبر “قوارب الموت” بسبب الفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية والصراعات السياسية وعدم وجود فرص عمل مناسبة.

نفوذ المافيات!
الى جانب ذلك، تترتب على الهجرة غير الشرعية تأثيرات عديدة في المجتمعات المضيفة والمهاجرين أنفسهم والبلدان المعنية بالهجرة. وقد تنشأ تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية نتيجة لزيادة أعداد المسافرين غير الشرعيين. لذلك يصبح العابرون تحت رحمة تجار البشر والتشرد والاستغلال والتمييز. اما على المستوى الاقتصادي، فيمكن أن يؤثر الانتقال غير الشرعي في سوق العمل ويحدث تغيرات في توزيع الثروة الاقتصادية.

على مقلب آخر، قد يسأل البعض لماذا لا تردع السلطات اللبنانية المحلية المغادرة غير القانونية للاجئين الذين يهاجرون عبر البحر باتجاه الدول الأوروبية بشكل حازم وصارم؟

وفي هذا الإطار، قال مصدر أمني لـ “الديار”: “تعد مكافحة الهجرة غير الشرعية مسألة بالغة الاهمية، كونها تساهم في الحفاظ على الأمن في الدول المستقبلة، وتحمي الحقوق الأساسية للمجتمعات المحلية واللاجئين الشرعيين على حد سواء. كما تعمل على إجراءات التوظيف القانونية وتعزيز الإدماج المجتمعي، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للدول المضيفة. وتحارب الأجهزة الأمنية هذه الظاهرة للحد من الجرائم المنظمة والاتجار بالبشر”.

أضاف المصدر “نعاني من قلة الأجهزة والوسائل الحديثة التي من شأنها ان تعزز من مواجهة هذه القضية، ويسعى المعنيون قدر الإمكان الى تقليل المخاطر الأمنية التي قد تنشأ نتيجة لدخول الأفراد غير المشروعين، وذلك من خلال التحكم بالحدود والمنافذ البحرية والبرية”.

وتابع “الجيش اللبناني يعمل على توجيه الجهود وتحديد الأولويات للتصدي لكل أنواع الهجرة غير الشرعية وتقييد الأشخاص الفارين سواء من وجه العدالة اوبسبب الحرب والنزاعات”.

الشباب اللبناني في مرمى قوارب الانتحار!

وأشار المصدر الأمني الى “عدة عوامل تشجع الشباب اللبناني اليوم على محاولة الهجرة من لبنان، بالرغم من الصعوبات والوسائل التي قد تكون خطرة، وذلك بسبب الأوضاع المالية الجامدة في البلد، بما في ذلك التضخم المفرط وانخفاض سعر صرف العملة”. واشار الى “ان الشباب هم الحلقة الأضعف، لأنهم يعانون من مشقات كبيرة في الحصول على فرص عمل مناسبة وضمان حياة كريمة، وهذا يجعل الهجرة تبدو كخيار مغرٍ للبعض لتحسين أوضاعهم المعيشية، يضاف الى كل ما تقدم الأوضاع الأمنية غير المستقرة جنوبا”.

في موازاة ذلك، كشفت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين لـ “الديار” عن “وجود بعض الإحصائيات والتقارير التي توضح حجم الهجرة من لبنان، سواء بطرق شرعية أو غير شرعية. وبحسب تقرير الأمم المتحدة عن الهجرة لعام 2020، كانت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين والمانيا والمملكة المتحدة والدول الإسكندنافية، من بين الوجهات الأكثر جذبا للبنانيين الراغبين في الهجرة بطرق شرعية. لكن الهجرة بدأت تأخذ منحى مغايرا وخطرامؤخرا، من خلال استخدام “قوارب الموت” وبالتالي الاتجار بالبشر، مقابل مبالغ مالية ضخمة، بحيث يدفع الشخص الواحد حوالي 7000$ والرحلة غير آمنة او مضمونة وقد ينتهي هؤلاء في أعماق البحر”.

وأوضحت “يغامر مئات الشباب من البقاع والشمال بالسفر الى خارج حدود الوطن، خاصة بعد الاضطراب الامني وارتفاع معدلات البطالة والعاطلين من العمل والجرائم والسرقات والتهديدات، التي أصبحت تطال كل مواطن. ناهيكم بالأزمة النقدية التي تهيمن على مختلف القطاعات الأساسية والحيوية وانعدام قيمة الرواتب في القطاعين العام والخاص التي لا تكفي لبضعة ايام والآتي سيكون أعظم في حال تطورت الاعمال العسكرية في المناطق الحدودية”.

اضافت “لقد غادر لبنان حوالي 59 زورقا وذلك وفق مفوضية شؤون اللاجئين، وتحمل هذه القوارب على متنها ما يقارب 3528 راكباً، منهم 3298 سورياً، و76 لبنانياً، و5 فلسطينيين، إضافةً إلى 149 شخصاً من جنسيات غير معروفة؛ وتشير المفوضية إلى ارتفاع عدد القوارب المهاجرة بنسبة 7.3% مقارنةمع عام 2022”.

وتطرقت الى “ظاهرة تهريب البشر والتي صارت ذائعة في لبنان، حيث يتم استغلال الأشخاص الراغبين في الهجرة غير الشرعية من خلال شبكات تهريب تعمل عبر الحدود البرية والبحرية، وتتضمن الوجهات الشائعة لهذه الشبكات دول شمال أفريقيا وأوروبا. وعلى الرغم من هذه التحديات، يظل الانتقال إلى دول أخرى صعبا للغاية بالنسبة للشباب اللبناني، خاصةً عبر وسائل غير شرعية مثل “قوارب الموت”، لان هذه الرحلات خطرة وقد تكلف الأرواح. لذلك المطلوب من المجتمع الدولي والدولة اللبنانية العمل على تحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص العمل للشباب، للحد من هذا الواقع المأساوي وإيجاد حل سريع للنازحين، خاصة بعد ان أصبح أكثر من 82% من اللبنانيين تحت خط الفقر وذلك باعتراف وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار”.

شحّ وسائل الردع!

وأشارت الى “ان الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية في لبنان تواجه عقبات متشعبة تعيق جهودها الرامية الى انهاء هذه الحالة، وتترجم هذه التحديات بضعف الأجهزة الأمنية والفساد والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بما في ذلك هشاشة القوانين والتشريعات، ومن بين هذه المعوقات:

– عجز الأجهزة الأمنية: تعتبر الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية في لبنان السبب المباشر في فقدان توازن القوى المعنية وتقليل قدرتها في إطار مكافحة الجريمة والهجرة غير الشرعية.

2- الفساد: يعد من أهم العوامل التي تعيق قدرة الحكومة في مقاومة النزوح غير الشرعي، حيث يمكن للفساد داخل الأجهزة الحكومية أن يُقلّص من فعالية الإجراءات الأمنية والتنظيمية.

3- ضعف القوانين: ان التشريعات القائمة في لبنان غير كافية أو فعالة في كبح هذه الفوضى، مما يتيح المجال للاستغلال والتجارة غير القانونية.

4- الظروف الاقتصادية والاجتماعية: التعثر النقدي في لبنان يجعل الأشخاص يلجأون إلى الهجرة غير الشرعية كوسيلة لتحسين وضعهم المالي.

5- الضغوط الدولية: بعض الظروف الدولية قد تسهم في تفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية في لبنان، مثل الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدول المجاورة والتي قد تدفع الأشخاص للجوء إلى لبنان بحثًا عن حياة أفضل.

اترك تعليق