ضدّ التوحّش و”آلهته” (عقل العويط )

إنّه زمن “تأليه” التوحّش السياسيّ والجيوسياسيّ والشعبويّ والدينيّ والعرقيّ والعنصريّ والإلغائيّ، هنا، وعلى مقربة، تجسيدًا للمصالح والمطامع والمطامح. يصل الأمر ببعضهم، كما هنا، إلى الاختباء وراء الشعوب والأراضي والبيوت والحقول والمشاعر والذكريات. وبعضهم، كما هنا أيضًا، يعقد صفقات مع الأمير ماكيافيلي، أو الشيطان، ومراياه، باحثًا عن مراتب غير مسبوقة من الهمجيّة المركنتيليّة، و”الذكائيّة”؛ تهافتًا في إثر تهافت، وانحطاطًا في إثر انحطاط، واستكبارًا في إثر استكبار.
أكرّر: يحصل هذا كلّه، “تأليهًا” للتوحّش السياسيّ الذي يكره ويقتل ويلغي ويطرد ويصادر ويحتلّ، ولا يتحمّل ظلّ الآخر، ولا نسيمه، ولا وروده، ولا خبزه، ولا قبوره، مفضِّلًا الانحدار بالحياة كلّها إلى جهنّم العيش، على غرار ما هي عليه الأحوال، على أيدي أهل القتل والشرّ والعنصريّة والإرهاب والمحو والاستئصال والإبادة، هنا، في لبنان وفلسطين، وفي أنحاء أخرى من معمورة التوحشّ البشريّ المطلق.
أيجب أنْ يكون لبنان كلّه محرقةً، إكرامًا لهؤلاء وأولئك؟
أيجب أنْ يُترَك الجنوب، وسوى الجنوب، “ساحة”، لأنّ “الثلاثيّ الجهنّميّ” في إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة، يختلف ظاهرًا و”يتوافق” (موضوعيًّا) على ذلك؟
أنحن “ورقة”، أم نعجة للتضحية؟!
ومن أجل ماذا؟ أمن أجل فلسطين والقدس و… مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقرى السبع، أم من أجل “تأليه” التوحّش؟
وإلى متى تظلّ “الشعوب” (والجنوب) قطعانًا تلهث وراء خطابٍ لفظيٍّ متوحّش لم يُفضِ يومًا إلى فعل؟
منذ 1948، لم نتقدّم فشخةً واحدةً إلى الأمام.
بل متنا سبعين مرّةً سبع مرّات، وخسرنا أعمارنا، وأرزاقنا، وأراضينا، وبيوتنا، وملاعبنا، وطفولاتنا، وذكرياتنا، وأحلامنا، وأطفالنا، ونساءنا، ورجالنا، وشيوخنا.
وهُجِّرنا، وشُرِّدنا، ويُتِّمنا، وترمّلنا، ونُهِبنا، واحتُلِلنا، وصرنا كرةً خاسرةً في ملاعب الـ”هنا” والمنطقة والأمم.
ماذا بعد؟! ماذا بعد؟!
أيجب، بعد غزّة، أنْ تُجرَف رفح جرفًا نهائيًّا (أرضًا وشعبًا)، وأنْ يتحقّق “الترانسفير” الإباديّ من الضفّة الغربيّة (فتُفَرَّغ أرضًا وشعبًا و”سلطة”)، ويُرَمَّد الجنوب اللبنانيّ، ويُهجَّر الأهل من هناك، ويُعاد تركيب المنطقة، والإقليم كلّه، والجغرافيا السياسيّة، بما يستدعيه ذلك من تقسيمٍ للدول، وتقطيعٍ لأوصالها، وتغييرٍ لديموغرافيّاتها، وتهجيرٍ لمواطنيها، كي تتجسّد الوحشيّة في أحطّ مسخيّتها، وينتشي “الثلاثيّ الجهنّميّ”، الإقليميّ والدوليّ، المشار إليه أعلاه، ولا تعود تقوم للعرب قائمة، ولا لفلسطين، ولا للبنان، معًا وفي آنٍ واحد؟!
أسوأ ما في “آلهة” التوحّش، عندنا، ولدى سوانا، أنّهم مرضى، وعهّار، وحقيرون، وخونة، وذمّيّون، وأذيال، وسماسرة، ومافيات، وعصابات، وقوّادون، ويعشقون كونهم كراتٍ صاغرةً، ودمى، ويلتذّون، و”يفلسفون” كونهم كذلك، ويكذبون، و”يصورخون”، ويُركَبون، ويُهانون، ويُقتَلون، وإلى آخر المعزوفة، التي لا آخر لها، ولا نهاية.
وإذ يجري هذا كلّه في ظهرانينا الجنوبيّة، وعلى مقربة، ومبعدة، نرى “آلهة” التوحّش في الداخل اللبنانيّ المهيض، يمعنون فسادًا وعهرًا، ويهبّ بعضهم هبّةَ مسعورٍ أجير (بل متصهين)، مبعبعًا، داعيًا إلى الإجهاز على الكيان اللبنانيّ، وإسدال الستار على “دولة لبنان الكبير”، وعلى ما بقي من “الدولة”، والجمهوريّة، والدستور، والقانون، و1943، والطائف، وسوى ذلك من مقوّمات بلدنا، الذي يحتاج طبعًا إلى “تحرير” دولة القانون والدستور من مغتصبيها.
ومن أجل ماذا، يحصل ما يحصل؟ أمن أجل صناعةِ ذمّيّةٍ مستكبِرةٍ مريضةٍ مستجدّة، تقوم على الغلبة والاستئثار، والالتحاق بأمّةٍ كاذبة، تتلاقى مصالحها البعيدة المدى – موضوعيًّا – مع تل أبيب وواشنطن، وضدّ معنى لبنان، وضدّ العروبة الحضاريّة، وضدّ الحداثة، واستغراقًا في جاهليّةٍ مستحدثةٍ، أين منها الجاهليّات السحيقة.
هذا المقال، دعوة إلى الوقوف ضدّ التوحّش و”آلهته”!

اترك تعليق