إسرائيل تهدد بمواصلة الاغتيالات بلبنان: تصفية الحساب.. ومنع الترميم!

تتعامل إسرائيل مع جبهة لبنان، منذ اللحظة الأولى لسريان اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو 6 أشهر، على قاعدة أن التغييرات العسكرية “الكبيرة” التي أحدثتها حربها الأخيرة على لبنان، قد ولدت واقعاً جديداً لم تعد فيه تل أبيب بحاجة إلى استدعاء سردية دعائية لتبرير مواصلة اعتداءاتها واغتيالاتها بحق اللبنانيين.

والدليل على ذلك، أن المراسلين العسكريين الإسرائيليين نقلوا أخيراً عن مصادر بالجيش، قولهم إن عمليات القصف والاغتيال ليست لمنع “خطر وشيك” بالضرورة، بقدر ما أنها تأتي في سياق هدفين: الأول استكمال مهمة تصفية الحساب، وثانياً لمنع “حزب الله” من النهوض مرة أخرى.

وبالطبع، ثمة هدف ثالث لا يذكره الإعلام العبري بوضوح، وهو الأبرز، إذ يكمن في غطرسة الاحتلال المتعالية في ظل انعدام الضغوط الرادعة له إقليماً وعالمياً.

ترميم قدرات الحزب
ورصدت “المدن” تعليقاً للمراسل العسكري لتلفزيون “مكان” العبري الرسمي، خلال النشرة المسائية، قال فيه إن مسلسل القصف والاغتيالات لعناصر وقيادات ميدانية تابعة لحزب الله، وكان بينهم أخيراً قائد الوحدة الصاروخية في الحزب محمد علي جمول، باستهدافه داخل مركبته خلال ساعات الفجر بمنطقة دير الزهراني في قطاع الشقيف، يعود إلى جهود أمنية إسرائيلية مستمرة لمنع حزب الله من إعادة ترميم قدراته العسكرية.

وبغض النظر عن الزعم المذكور، فإنه بحد ذاته إقرار إسرائيلي بأن القصف على جنوب لبنان بين الفينة والأخرى، لا يعود لخطر “وشيك” كما صنفه الاحتلال خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، واتخذه ذريعة لاستمرار اعتداءاته بالرغم من الاتفاق.

وأضاف المراسل الإسرائيلي أن الجيش يراقب عناصر حزب الله ويريد منعه من إعادة ترميم قدراته، وأنه يستغل تواجده في النقاط اللبنانية الخمس التي احتلها على إثر الحرب الأخيرة؛ لـ”رصد حزب الله”، مدعياً أن اغتيال محمد جمول جرى على بعد 40 كيلومتراً عن حدود الدولة العبرية، جاء لكونه “يحاول إعادة ترميم قدرات عسكرية للحزب”.

والغريب أن المراسل الإسرائيلي تطرق بشكل غير مفهوم خلال حديثه نفسه إلى استهداف مخازن لصواريخ استراتيجية في الساحل السوري قبل أيام، إذ بدا وكأنه ربط مع ما يجري في لبنان، وذلك بقوله إن “الجيش يمنع حزب الله من إعادة قدراته، سواء بالقصف داخل لبنان أو سوريا كما جرى في الساحل”، وقد يكون مجرد خلط من المراسل، وليس بالضرورة ربط أمني بين الأمرين.

الفرقة 91.. للاستخبار والاغتيال
بدوره، ذكر الصحافي الإسرائيلي غابي أشكنازي في مقاله بصحيفة “معاريف” العبرية، أن ما وصفها بعمليات “التصفية والتحييد الدقيقة” في لبنان، هي نتيجة لتغيير الجيش الإسرائيلي أسلوب عمله، خصوصاً في ما يتعلق بجمع المعلومات وتشغيل النيران في الآونة الأخيرة، بحيث تتلقى “القوات على الأرض حالياً الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات تصفية فورية”.

وبحسب كاتب المقال في “معاريف”، فإن الجيش الإسرائيلي قرر خفض مستويات جمع المعلومات وإدارة النيران في جنوب لبنان إلى مستوى الألوية الإقليمية، أي حصر المهمة في القوات الناشطة في الجبهة الشمالية، وهو ما دفع إلى دور مركزي لفرقة 91 الإسرائيلية في تنفيذ الاغتيالات بالأشهر الأخيرة.

وادعت الصحيفة العبرية أنه من ضمن مهام الكتيبة 91، جمع معلومات استخباراتية حول أهداف بنية تحتية وأهداف بشرية في أنحاء جنوب لبنان، وبمجرد تحديد هوية عنصر “معادٍ” (الإدانة الاستخباراتية)، فإنها تعمل على الحصول على موافقة للهجوم من القيادة، ومن ثم المباشرة بتنفيذ الهجوم من قِبل وحدة النيران التابعة للفرقة المذكورة.
190 اغتيالاً
وبينما يواظب المستويان السياسي والعسكري في إسرائيل، على الإعلان بين الحين والآخر عن حصاد العدوان على المنطقة برمتها منذ 7 أكتوبر 2023، فإن مواقع عسكرية أشارت إلى اغتيال “190 عنصراً من حزب الله على يد القوات الإسرائيلية” منذ بدء وقف إطلاق النار في لبنان، أي خلال 6 أشهر، بواقع 31 فرداً كل شهر، بناء على الرقم الإسرائيلي المزعوم.
في حين، زعم محللون عسكريون إسرائيليون أن وتيرة الأحداث والقصف أدت إلى “احترافية أكبر لدى القوات”، سواء بجمع المعلومات أو السرعة على تنفيذ الضربات وإحباط مهام “العدو”، على حد قولها. ونسبت صحف عبرية إلى قيادات بالجيش، قولها إن “حقيقة أن هذه العمليات تُدار على مستوى الفرقة 91، وليس على مستوى القيادة العليا أو هيئة الأركان، تزيد من قدرات الجيش الإسرائيلي على العمل في جنوب لبنان”.

“ليس مثالياً”
ومع ذلك، لا تُخفي تقارير عسكرية إسرائيلية أنه بالرغم من تمكن تل أبيب من إحداث تغييرات ميدانية كبيرة لصالحها في لبنان، إلا أن الوضع هناك لم يصل إلى “درجة المثالية” التي تنشدها إسرائيل، مؤكدة أن حزب الله ما زال يمتلك قدرات وأسلحة، وأن الطريق أمام الدولة اللبنانية لنزعه “ما زال طويلاً”، وهي كلها مزاعم تحاول الدولة العبرية تجييرها في سبيل تسويغ استمرار “حرية نشاطها العسكري” في الجنوب اللبناني وأبعد منه.

بينما أعلنت وسائل إعلام عبرية بالأيام الأخيرة أن الجيش تمكن من إدخال تقنية الليزر لمواجهة مسيّرات حزب الله، وهو ما أدرجته في سياق استعداد الجيش لكل السيناريوهات، بما فيها عودة القتال مع حزب الله، ولو كان ضئيلاً. مع العلم، أن المعضلة الإسرائيلية كانت مع مسيّرات الحزب خلال الحرب، هي أنها تنطلق من مسافات قريبة من جهة لبنان، ولا يتوفر الوقت الكافي لأنظمة “الدفاع” للتصدي لها.

اترك تعليق